للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةَ أَخْبَرَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ بِأَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي مَنْزِلِ حَيَّانَ بْنِ ظَبْيَانَ السُّلَمِيِّ وَاتَّعَدُوا لِلْخُرُوجِ غُرَّةَ شَعْبَانَ، فَأَرْسَلَ الْمُغِيرَةُ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ، وَهُوَ قَبِيصَةُ بْنُ الدَّمُونِ، فَأَحَاطَ بِدَارِ حَيَّانَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَإِذَا عِنْدَهُ مُعَاذُ بْنُ جُوَيْنٍ وَنَحْوُ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَثَارَتِ امْرَأَتُهُ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ كَانَتْ لَهُ كَارِهَةً، فَأَخَذَتْ سُيُوفَهُمْ فَأَلْقَتْهَا تَحْتَ الْفِرَاشِ، وَقَامُوا لِيَأْخُذُوا سُيُوفَهُمْ فَلَمْ يَجِدُوهَا فَاسْتَسْلَمُوا، فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى الْمُغِيرَةِ فَحَبَسَهُمْ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَهُمْ فَلَمْ يَعْتَرِفُوا بِشَيْءٍ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَزَالُوا فِي السِّجْنِ نَحْوَ سَنَةٍ، وَسَمِعَ إِخْوَانُهُمْ فَحَذَرُوا، وَخَرَجَ صَاحِبُهُمُ الْمُسْتَوْرِدُ فَنَزَلَ الْحِيرَةَ، وَاخْتَلَفَ الْخَوَارِجُ إِلَيْهِ، فَرَآهُمْ حَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَكْتُمَ عَلَيْهِمْ لَيْلَتَهُمْ تِلْكَ، فَقَالَ لَهُمْ: سَأَكْتُمُ عَلَيْكُمُ الدَّهْرَ، فَخَافُوهُ أَنْ يَذْكُرَ حَالَهُمْ لِلْمُغِيرَةِ، فَتَحَوَّلُوا إِلَى دَارِ سُلَيْمِ بْنِ مَحْدُوجٍ الْعَبْدِيِّ، وَكَانَ صِهْرًا لِلْمُسْتَوْرِدِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَجَّارٌ مِنْ أَخْبَارِهِمْ شَيْئًا.

وَبَلَغَ الْمُغِيرَةَ خَبَرُهُمْ وَأَنَّهُمْ عَازِمُونَ عَلَى الْخُرُوجِ تِلْكَ الْأَيَّامَ، فَقَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَزَلْ أُحِبُّ لِجَمَاعَتِهِمُ الْعَافِيَةَ وَأَكُفُّ عَنْكُمُ الْأَذَى، وَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَدَبُ سُوءٍ لِسُفَهَائِكُمْ، (وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا نَجِدَ بُدًّا مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ) الْحَلِيمُ التَّقِيُّ بِذَنْبِ الْجَاهِلِ السَّفِيهِ، فَكُفُّوا عَنْهَا سُفَهَاءَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْمَلَ الْبَلَاءُ عَوَامَّكُمْ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رِجَالًا يُرِيدُونَ أَنْ يَظْهَرُوا فِي الْمِصْرِ بِالشِّقَاقِ (وَالنِّفَاقِ) وَالْخِلَافِ، وَايْمُ اللَّهِ لَا يَخْرُجُونَ فِي حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِلَّا أَهْلَكْتُهُمْ وَجَعَلْتُهُمْ نَكَالًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ!

فَقَامَ إِلَيْهِ مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ الرِّيَاحِيُّ فَقَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ أَعْلِمْنَا بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَإِنْ كَانُوا مِنَّا كَفَيْنَاكَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَنَا أَمَرْتَ أَهْلَ الطَّاعَةِ فَأَتَاكَ كُلُّ قَبِيلَةٍ بِسُفَهَائِهِمْ. فَقَالَ: مَا سُمِّيَ لِي أَحَدٌ بِاسْمِهِ. فَقَالَ مَعْقِلٌ: أَنَا أَكْفِيكَ قَوْمِي فَلْيَكْفِكَ كُلُّ رَئِيسٍ قَوْمَهُ. فَأَحْضَرَ الْمُغِيرَةُ الرُّؤَسَاءَ وَقَالَ لَهُمْ: لِيَكْفِنِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قَوْمَهُ وَإِلَّا فَوَاللَّهِ لَأَتَحَوَّلَنَّ عَمَّا تَعْرِفُونَ إِلَى مَا تُنْكِرُونَ، وَعَمَّا تُحِبُّونَ إِلَى مَا تَكْرَهُونَ.

فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَنَاشَدُوهُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ إِلَّا دَلُّوهُمْ عَلَى كُلِّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُهَيِّجَ الْفِتْنَةَ، وَجَاءَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ إِلَى عَبْدِ الْقَيْسِ، وَكَانَ قَدْ عَلِمَ بِمَنْزِلِ حَيَّانَ فِي دَارِ سُلَيْمٍ، وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ عَشِيرَتِهِ عَلَى فِرَاقِهِ لِأَهْلِ الشَّامِ وَبُغْضِهِ لِرَأْيِهِمْ، (وَكَرِهَ مَسَاءَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ قَوْمِهِ) ، فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ:

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ وَلَهُ الْحَمْدُ لَمَّا قَسَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>