وَكَانَ كَرِيمًا لَمْ يُوقِدْ أَحَدٌ فِي عَسْكَرِهِ نَارًا، فَرَأَى ذَاتَ لَيْلَةٍ نَارًا فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالُوا: امْرَأَةُ نُفَسَاءُ يُعْمَلُ لَهَا الْخَبِيصُ، فَأَمَرَ أَنْ يُطْعَمَ النَّاسُ الْخَبِيصَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ خُرَاسَانَ
قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ قَيْسَ بْنَ الْهَيْثَمِ الْقَيْسِيَّ ثُمَّ السُّلَمِيَّ عَنْ خُرَاسَانَ وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَازِمٍ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ قَيْسًا أَبْطَأَ بِالْخَرَاجِ وَالْهَدِيَّةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ: وَلِّنِي خُرَاسَانَ أَكْفِكَهَا. فَكَتَبَ لَهُ عَهْدَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قَيْسًا فَخَافَ ابْنَ خَازِمٍ وَشَغَبَهُ فَتَرَكَ خُرَاسَانَ وَأَقْبَلَ، فَازْدَادَ ابْنُ عَامِرٍ غَضَبًا لِتَضْيِيعِهِ الثَّغْرَ، فَضَرْبَهُ وَحَبَسَهُ وَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ يَشْكُرَ عَلَى خُرَاسَانَ، وَقِيلَ: بَعَثَ أَسْلَمَ بْنَ زُرْعَةَ الْكِلَابِيَّ ثُمَّ ابْنَ خَازِمٍ.
وَقِيلَ فِي عَزْلِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَ خَازِمٍ قَالَ لِابْنِ عَامِرٍ: إِنَّكَ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى خُرَاسَانَ قَيْسًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنِّي أَخَافُ إِنْ لَقِيَ حَرْبًا أَنْ يَنْهَزِمَ بِالنَّاسِ فَتَهْلِكَ خُرَاسَانُ وَتَفْضَحُ أَخْوَالَكَ، يَعْنِي قَيْسَ عَيْلَانَ. قَالَ ابْنُ عَامِرٍ: فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: تَكْتُبُ لِي عَهْدًا إِنْ هُوَ انْصَرَفَ عَنْ عَدُوٍّ قُمْتُ مَقَامَهُ. فَكَتَبَ لَهُ.
وَجَاشَ جَمَاعَةٌ مِنْ طَخَارُسْتَانَ فَشَاوَرَهُ قَيْسٌ فَأَشَارَ عَلَيْهِ ابْنُ خَازِمٍ أَنْ يَنْصَرِفَ حَتَّى يَجْتَمِعَ إِلَيْهِ أَطْرَافُهُ، فَلَمَّا سَارَ مَرْحَلَةً أَوِ اثْنَيْنِ أَخْرَجَ ابْنُ خَازِمٍ عَهْدَهُ وَقَامَ بِأَمْرِ النَّاسِ وَلَقِيَ الْعَدُوَّ فَهَزَمَهُمْ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ وَالشَّامَ فَغَضِبَ الْقَيْسِيَّةَ وَقَالُوا: خَدَعَ قَيْسًا وَابْنَ عَامِرٍ! وَشَكَوْا إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَاسْتَقْدَمَهُ، فَاعْتَذَرَ مِمَّا قِيلَ فِيهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: قُمْ غَدًا فَاعْتَذِرْ فِي النَّاسِ. فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: إِنِّي أُمِرْتُ بِالْخُطْبَةِ وَلَسْتُ بِصَاحِبِ كَلَامٍ فَاجْلِسُوا حَوْلَ الْمِنْبَرِ فَإِذَا قُلْتُ فَصَدِّقُونِي. فَقَامَ مِنَ الْغَدِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا يَتَكَلَّفُ الْخُطْبَةَ إِمَامٌ لَا يَجِدُ مِنْهَا بُدًّا أَوْ أَحْمَقٌ يَهْمُرُ مِنْ رَأْسِهِ، وَلَسْتُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ عَلِمَ مَنْ عَرَفَنِي أَنِّي بَصِيرٌ بِالْفُرَصِ، وَثَّابٌ إِلَيْهَا وَقَّافٌ عِنْدَ الْمَهَالِكِ، أَنْفُذُ بِالسَّرِيَّةِ وَأَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، أَنْشُدُ اللَّهَ مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ مِنِّي فَلْيُصَدِّقْنِي. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: صَدَقْتَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ فِيمَنْ نَشَدْتُ فَقُلْ بِمَا تَعْلَمُ. فَقَالَ: صَدَقْتَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute