للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا اتَّكَأْتُ عَلَى الْأَنْمَاطِ مُرْتَفِقًا

بِدَيْرِ مُرَّانَ عِنْدِي أُمُّ كُلْثُومِ

وَأُمُّ كُلْثُومٍ امْرَأَتُهُ، وَهِيَ ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ.

فَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ شِعْرُهُ فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ لَيَلْحَقَنَّ بِسُفْيَانَ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ لِيُصِيبَهُ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَسَارَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ أَضَافَهُمْ إِلَيْهِ أَبُوهُ، وَكَانَ فِي هَذَا الْجَيْشِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ زُرَارَةَ الْكِلَابِيُّ، فَأَوْغَلُوا فِي بِلَادِ الرُّومِ حَتَّى بَلَغُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَاقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ وَالرُّومُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الْعَزِيزِ يَتَعَرَّضُ لِلشَّهَادَةِ فَلَمْ يُقْتَلْ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

قَدْ عِشْتُ فِي الدَّهْرِ أَطْوَارًا عَلَى طُرُقٍ ... شَتَّى فَصَادَفْتُ مِنْهَا اللِّينَ وَالْبَشِعَا

كُلًّا بَلَوْتُ فَلَا النَّعْمَاءُ تُبْطِرُنِي ... وَلَا تَجَشَّمْتُ مِنْ لَأْوَائِهَا جَزَعًا

لَا يَمْلَأُ الْأَمْرُ صَدْرِي قَبْلَ مَوْقِعِهِ ... وَلَا أَضِيقُ بِهِ ذَرْعًا إِذَا وَقَعَا

ثُمَّ حَمَلَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ فَقَتَلَ فِيهِمْ وَانْغَمَسَ بَيْنَهُمْ، فَشَجَرَهُ الرُّومُ بِرِمَاحِهِمْ حَتَّى قَتَلُوهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَبَلَغَ خَبَرُ قَتْلِهِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لِأَبِيهِ:

وَاللَّهِ هَلَكَ فَتَى الْعَرَبِ! فَقَالَ: ابْنِي أَوِ ابْنُكَ؟ قَالَ: ابْنُكَ، فَآجَرَكَ اللَّهُ. فَقَالَ:

فَإِنْ يَكُنِ الْمَوْتُ أَوْدَى بِهِ ... وَأَصْبَحَ مُخُّ الْكِلَابِيِّ زِيرًا

فَكُلُّ فَتًى شَارِبٌ كَأْسَهُ ... فَإِمَّا صَغِيرًا وَإِمَّا كَبِيرًا

ثُمَّ رَجَعَ يَزِيدُ وَالْجَيْشُ إِلَى الشَّامِ وَقَدْ تُوُفِّيَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عِنْدَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ فَدُفِنَ بِالْقُرْبِ مِنْ سُورِهَا، فَأَهْلُهَا يَسْتَسْقُونَ بِهِ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ وَغَيْرَهَا مِنْ حُرُوبِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>