للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنْ يَهْدِمَ دَارَ مَرْوَانَ وَيَقْبِضَ أَمْوَالَهُ كُلَّهَا لِيَجْعَلَهَا صَافِيَةً وَيَقْبِضَ مِنْهُ فَدَكَ، وَكَانَ وَهَبَهَا لَهُ، فَرَاجَعَهُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ فِي ذَلِكَ، فَأَعَادَ مُعَاوِيَةُ الْكِتَابَ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَفْعَلْ سَعِيدٌ وَوَضَعَ الْكِتَابَيْنِ عِنْدَهُ، فَعَزَلَهُ مُعَاوِيَةُ، وَوَلَّى مَرْوَانَ وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِقَبْضِ أَمْوَالِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهَدْمِ دَارِهِ، فَأَخَذَ الْفَعَلَةَ وَسَارَ إِلَى دَارِ سَعِيدٍ لِيَهْدِمَهَا، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ أَتَهْدِمُ دَارِي؟ قَالَ: نَعَمْ، كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَتَبَ إِلَيْكَ فِي هَدْمِ دَارِي لَفَعَلْتَ:

فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ:

قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ:

قَالَ: كَلَّا:

وَقَالَ لِغُلَامِهِ: ائْتِنِي بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ، فَجَاءَهُ بِالْكِتَابَيْنِ، فَلَمَّا رَآهُمَا مَرْوَانُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْكَ فَلَمْ تَفْعَلْ وَلَمْ تُعْلِمْنِي؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: مَا كُنْتُ لِأَمُنَّ عَلَيْكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُحَرِّضَ بَيْنَنَا:

فَقَالَ مَرْوَانُ: أَنْتَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنِّي. وَعَادَ وَلَمْ يَهْدِمْ دَارَ سَعِيدٍ، وَكَتَبَ سَعِيدٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ: الْعَجَبُ مِمَّا صَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِنَا فِي قَرَابَتِنَا! إِنَّهُ يُضْغِنُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ، فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي حِلْمِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى مَا يَكْرَهُ مِنَ الْأَخْبَثِينَ، وَعَفْوِهِ وَإِدْخَالِهِ الْقَطِيعَةَ بَيْنَنَا وَالشَّحْنَاءَ، وَتَوَارُثَ الْأَوْلَادِ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ نَكُنْ أَوْلَادَ أَبٍ وَاحِدٍ لَمَا جَمَعَنَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نُصْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْخَلِيفَةِ الْمَظْلُومِ، وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِنَا، لَكَانَ حَقًّا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَرْعَى ذَلِكَ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَعْتَذِرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَنَصَّلُ وَأَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى أَحْسَنِ مَا يَعْهَدُهُ.

وَقَدِمَ سَعِيدٌ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ مَرْوَانَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا بَاعَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَكَ؟ قَالَ: خَافَنِي عَلَى شَرَفِهِ وَخِفْتُهُ عَلَى شَرَفِي:

قَالَ: فَمَاذَا لَهُ عِنْدَكَ؟ قَالَ: أُسِرُّهُ شَاهِدًا وَغَائِبًا.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ مُعَاوِيَةُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْبَصْرَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ غَيْلَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ عَلَى خُرَاسَانَ

وَفِيهَا اسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ عَلَى خُرَاسَانَ.

وَكَانَ سَبَبُ وِلَايَتِهِ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَنِ اسْتَعْمَلَ أَبُوكَ عَلَى الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ؟ فَأَخْبَرُهُ، فَقَالَ: لَوِ اسْتَعْمَلَكَ أَبُوكَ لَاسْتَعْمَلْتُكَ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>