للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهُ: إِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ أَعْيَانُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلُهُ وَكُبَرَاءُ قُرَيْشٍ وَذَوُو أَسْنَانِهِمْ، وَإِنَّمَا بَقِيَ أَبْنَاؤُهُمْ وَأَنْتَ مِنْ أَفْضَلِهِمْ وَأَحْسَنِهِمْ رَأْيًا وَأَعْلَمِهِمْ (بِالسُّنَّةِ) وَالسِّيَاسَةِ، وَلَا أَدْرِي مَا يَمْنَعُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْقِدَ لَكَ الْبَيْعَةَ:

قَالَ: أَوَتَرَى ذَلِكَ يَتِمُّ؟ قَالَ نَعَمْ.

فَدَخَلَ يَزِيدُ عَلَى أَبِيهِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ الْمُغِيرَةُ، فَأَحْضَرَ الْمُغِيرَةَ وَقَالَ لَهُ مَا يَقُولُ يَزِيدُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ رَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَالِاخْتِلَافِ بَعْدَ عُثْمَانَ، وَفِي يَزِيدَ مِنْكَ خَلَفٌ، فَاعْقِدْ لَهُ، فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَادِثٌ كَانَ كَهْفًا لِلنَّاسِ وَخَلَفًا مِنْكَ، وَلَا تُسْفَكُ دِمَاءٌ وَلَا تَكُونُ فِتْنَةٌ:

قَالَ: وَمَنْ لِي بِهَذَا؟

قِيلَ: أَكْفِيكَ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَيَكْفِيكَ زِيَادٌ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَلَيْسَ بَعْدَ هَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ أَحَدٌ يُخَالِفُكَ:

قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى عَمَلِكَ وَتَحَدَّثْ مَعَ مَنْ تَثِقُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَتَرَى وَنَرَى:

فَوَدَّعَهُ وَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ:

فَقَالُوا: مَهْ؟ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتَ رِجْلَ مُعَاوِيَةَ فِي غَرْزٍ بَعِيدِ الْغَايَةِ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَفَتَقْتَ عَلَيْهِمْ فَتْقًا لَا يُرْتَقُ أَبَدًا، وَتَمَثَّلَ:

بِمِثْلِي شَاهِدِي النَّجْوَى وَغَالِي ... بِيَ الْأَعْدَاءَ وَالْخَصْمَ الْغِضَابَا

وَسَارَ الْمُغِيرَةُ حَتَّى قَدِمَ الْكُوفَةَ وَذَاكَرَ مَنْ يَثِقُ إِلَيْهِ وَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ شِيعَةٌ لِبَنِي أُمَيَّةَ أَمْرَ يَزِيدَ، فَأَجَابُوا إِلَى بَيْعَتِهِ، فَأَوْفَدَ مِنْهُمْ عَشَرَةً، وَيُقَالُ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَأَعْطَاهُمْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ ابْنَهُ مُوسَى بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَقَدِمُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَزَيَّنُوا لَهُ بَيْعَةَ يَزِيدَ وَدَعَوْهُ إِلَى عَقْدِهَا:

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَا تُعَجِّلُوا بِإِظْهَارِ هَذَا وَكُونُوا عَلَى رَأْيِكُمْ. ثُمَّ قَالَ لِمُوسَى: بِكَمِ اشْتَرَى أَبُوكَ مِنْ هَؤُلَاءِ دِينَهُمْ؟ قَالَ: بِثَلَاثِينَ أَلْفًا:

قَالَ: لَقَدْ هَانَ عَلَيْهِمْ دِينُهُمْ.

وَقِيلَ: أَرْسَلَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ ابْنَهُ عُرْوَةَ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ قَامُوا خُطَبَاءَ فَقَالُوا: إِنَّمَا أَشْخَصَهُمْ إِلَيْهِ النَّظَرَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَبِرَتْ سِنُّكَ وَخِفْنَا انْتِشَارَ الْحَبْلِ، فَانْصِبْ لَنَا عَلَمًا وَحُدَّ لَنَا حَدًّا نَنْتَهِي إِلَيْهِ:

فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلِيَّ:

فَقَالُوا: نُشِيرُ بِيَزِيدَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: أَوَقَدَ رَضِيتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ:

قَالَ: وَذَلِكَ رَأْيُكُمْ؟

قَالُوا نَعَمْ، وَرَأْيُ مَنْ وَرَاءَنَا:

فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعُرْوَةَ سِرًّا عَنْهُمْ: بِكَمُ اشْتَرَى أَبُوكَ مِنْ هَؤُلَاءِ دِينَهُمْ؟ قَالَ: بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ:

قَالَ: لَقَدْ وَجَدَ دِينَهُمْ عِنْدَهُمْ رَخِيصًا:

وَقَالَ لَهُمْ: نَنْظُرُ مَا قَدِمْتُمْ لَهُ، وَيَقْضِي اللَّهُ مَا أَرَادَ، وَالْأَنَاةُ خَيْرٌ مِنَ الْعَجَلَةِ. فَرَجَعُوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>