وَهِيَ فِي الْعَذَابِ! ثُمَّ مَاتَتْ.
وَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ قَدْ دَخَلَهُمُ الرُّعْبُ مِنْ مُوسَى خَافَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيَتْرُكُوا عِبَادَتَهُ فَاحْتَالَ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ لِوَزِيرِهِ: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا. فَأَمَرَ هَامَانُ بِعَمَلِ الْآجُرِّ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَهُ، وَجَمَعَ الصُّنَّاعَ وَعَمِلَهُ فِي سَبْعِ سِنِينَ، وَارْتَفَعَ الْبُنْيَانُ ارْتِفَاعًا لَمْ يَبْلُغْهُ بُنْيَانٌ آخَرُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى وَاسْتَعْظَمَهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ دَعْهُ وَمَا يُرِيدُ فَإِنِّي مُسْتَدْرِجُهُ وَمُبْطِلٌ مَا عَمِلَهُ سَاعَةً وَاحِدَةً. فَلَمَّا تَمَّ بِنَاؤُهُ أَمَرَ اللَّهُ جَبْرَائِيلَ فَخَرَّبَهُ وَأَهْلَكَ كُلَّ مَنْ عَمَلِ فِيهِ مِنْ صَانِعٍ وَمُسْتَعْمَلٍ. فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالشِّدَّةِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَلَى مُوسَى، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَصَارُوا يُكَلِّفُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَهُ، وَكَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي شِدَّةٍ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يُطْعِمُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا اسْتَعْمَلُوهُمْ، فَصَارُوا لَا يُطْعِمُونَهُمْ شَيْئًا، فَيَعُودُونَ بِأَسْوَإِ حَالٍ يُرِيدُونَ يَكْسِبُونَ مَا يَقُوتُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ لَهُمُ: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف: ١٢٨] ، {إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩] ، {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٢٩] .
فَلَمَّا أَبَى فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ إِلَّا الثَّبَاتَ عَلَى الْكُفْرِ، تَابَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْآيَاتِ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ، وَهُوَ الْمَطَرُ الْمُتَتَابِعُ، فَغَرِقَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُمْ. فَقَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفْ عَنَّا هَذَا وَنَحْنُ نُؤْمِنْ بِكَ وَنُرْسِلْ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَبَتَتْ زُرُوعُهُمْ، فَقَالُوا: مَا يَسُرُّنَا أَنَّا لَمْ نُمْطَرْ. فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ فَأَكَلَ زُرُوعَهُمْ،، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَكْشِفَ مَا بِهِمْ وَيُؤْمِنُوا بِهِ، فَدَعَا اللَّهَ فَكَشَفَهُ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا وَقَالُوا: قَدْ بَقِيَ مِنْ زُرُوعِنَا بَقِيَّةٌ. فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّبَا، وَهُوَ الْقُمَّلُ، فَأَهْلَكَ الزُّرُوعَ وَالنَّبَاتَ أَجْمَعَ، وَكَانَ يُهْلِكُ أَطْعِمَتَهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَحْتَرِزُوا مِنْهُ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ، فَفَعَلَ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ، وَكَانَتْ تَسْقُطُ فِي قُدُورِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ وَمَلَأَتِ الْبُيُوتَ عَلَيْهِمْ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ لِيُؤْمِنُوا بِهِ فَفَعَلَ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، فَصَارَتْ مِيَاهُ الْفِرْعَوْنِيِّينَ دَمًا، وَكَانَ الْفِرْعَوْنِيُّ وَالْإِسْرَائِيلِيُّ يَسْتَقِيَانِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَيَأْخُذُ الْإِسْرَائِيلِيُّ مَاءً وَيَأْخُذُ الْفِرْعَوْنِيُّ دَمًا، وَكَانَ الْإِسْرَائِيلِيُّ يَأْخُذُ الْمَاءَ مِنْ فَمِهِ فَيَمُجُّهُ فِي فَمِ الْفِرْعَوْنِيِّ فَيَصِيرُ دَمًا، فَبَقِيَ ذَلِكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute