أَكْتُبَ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ وَتَكْتُبُ أَنْتَ إِلَى يَزِيدَ أَوْ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ فَلَعَلَّ اللَّهَ يَأْتِي بِأَمْرٍ يَرْزُقُنِي فِيهِ الْعَافِيَةَ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ.
فَتَيَاسَرَ عَنْ طَرِيقِ الْعُذَيْبِ وَالْقَادِسِيَّةِ وَالْحُرُّ يُسَايِرُهُ.
ثُمَّ إِنَّ الْحُسَيْنَ خَطَبَهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلًّا لِحُرَمِ اللَّهِ نَاكِثًا لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَلَمْ يُغَيِّرْ مَا عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلُهُ» .
أَلَا وَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ وَحَرَّمُوا حَلَالَهُ، وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ غَيَّرَ، وَقَدْ أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ وَرُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ، وَأَنَّكُمْ لَا تُسَلِّمُونِي وَلَا تَخْذُلُونِي فَإِنْ تَمَّمْتُمْ عَلَى بَيْعَتِكُمْ تُصِيبُوا رُشْدَكُمْ، وَأَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسِي مَعَ أَنْفُسِكُمْ، وَأَهْلِي مَعَ أَهْلِكُمْ، فَلَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عَهْدِي وَخَلَعْتُمْ بَيْعَتِي فَلَعَمْرِي مَا هِيَ لَكُمْ بِنَكِيرٍ، لَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا بِأَبِي وَأَخِي وَابْنِ عَمِّي مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ، وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَرَّ بِكُمْ، فَحَظَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ، وَنَصِيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ، {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: ١٠] وَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ، وَالسَّلَامُ.
فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: إِنِّي أَذَكِّرُكَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي أَشْهَدُ لَئِنْ قَاتَلَتْ لَتُقْتَلَنَّ.
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: أَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي؟ وَهَلْ يَعْدُو بِكُمُ الْخَطْبُ أَنْ تَقْتُلُونِي؟ وَمَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ! وَلَكِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخُو الْأَوْسِيِّ لِابْنِ عَمِّهِ وَهُوَ يُرِيدُ نُصْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَإِنَّكَ مَقْتُولٌ فَقَالَ:
سَأَمْضِي وَمَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى ... إِذَا مَا نَوَى خَيْرًا وَجَاهَدَ مُسْلِمَا
وَوَاسَى رِجَالًا صَالِحِينَ بِنَفْسِهِ ... وَخَالَفَ مَثْبُورًا وَفَارَقَ مُجْرِمَا
فَإِنْ عِشْتُ لَمْ أَنْدَمْ وَإِنْ مُتُّ لَمْ أُلَمْ ... كَفَى بِكَ ذُلًّا أَنْ تَعِيشَ وَتُرْغَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute