أَنِ الْقَنِي اللَّيْلَةَ بَيْنَ عَسْكَرِي وَعَسْكَرِكَ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَاجْتَمَعَا وَتَحَادَثَا طَوِيلًا ثُمَّ انْصَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَسْكَرِهِ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ الْحُسَيْنَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ: اخْرُجْ مَعِي إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَنَدَعُ الْعَسْكَرَيْنِ.
فَقَالَ عُمَرُ: أَخْشَى أَنْ تُهْدَمَ دَارِي.
قَالَ: أَبْنِيهَا لَكَ خَيْرًا مِنْهَا.
قَالَ: تُؤْخَذُ ضِيَاعِي.
قَالَ: أُعْطِيكَ خَيْرًا مِنْهَا مِنْ مَالِي بِالْحِجَازِ.
فَكَرَهُ ذَلِكَ عُمَرُ.
وَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَسْمَعُوهُ، وَقِيلَ: بَلْ قَالَ لَهُ: اخْتَارُوا مِنِّي وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ أَرْجِعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَقْبَلْتُ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ أَضَعَ يَدِي فِي يَدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَيَرَى فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَأْيَهُ، وَإِمَّا أَنْ تَسِيرُوا بِي إِلَى أَيِّ ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ شِئْتُمْ فَأَكُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ لِي مَا لَهُمْ وَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ سَمْعَانَ أَنَّهُ قَالَ: صَحِبْتُ الْحُسَيْنَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَمِنْ مَكَّةَ إِلَى الْعِرَاقِ وَلَمْ أُفَارِقْهُ حَتَّى قُتِلَ، وَسَمِعْتُ جَمِيعَ مُخَاطِبَاتِهِ لِلنَّاسِ إِلَى يَوْمِ مَقْتَلِهِ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ مَا يَتَذَاكَرُ النَّاسُ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَهُ فِي يَدِ يَزِيدَ، وَلَا أَنْ يُسَيِّرُوهُ إِلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: دَعُونِي أَرْجِعُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَقْبَلْتُ مِنْهُ وَدَعُونِي أَذْهَبْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْعَرِيضَةِ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ فَلَمْ يَفْعَلُوا.
ثُمَّ الْتَقَى الْحُسَيْنُ وَعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ مِرَارًا ثَلَاثًا وَأَرْبَعًا فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْفَأَ النَّائِرَةَ، وَجَمَعَ الْكَلِمَةَ، وَقَدْ أَعْطَانِي الْحُسَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَقْبَلَ مِنْهُ أَوْ أَنْ نُسَيِّرَهُ إِلَى أَيِّ ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ شِئْنَا، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ يَزِيدَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، وَفِي هَذَا لَكُمْ رِضًى، وَلِلْأُمَّةِ صَلَاحٌ، فَلَمَّا قَرَأَ ابْنُ زِيَادٍ الْكِتَابَ قَالَ: هَذَا كِتَابُ رَجُلٍ نَاصِحٍ لِأَمِيرِهِ، مُشْفِقٍ عَلَى قَوْمِهِ، نَعَمْ قَدْ قَبِلْتُ.
فَقَامَ إِلَيْهِ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فَقَالَ: أَتَقْبَلُ هَذَا مِنْهُ وَقَدْ نَزَلَ بِأَرْضِكَ وَإِلَى جَنْبِكَ؟ وَاللَّهِ لَئِنْ رَحَلَ مِنْ بِلَادِكَ وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي يَدِكَ لَيَكُونَنَّ أَوْلَى بِالْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ وَلَتَكُونَنَّ أَوْلَى بِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ، فَلَا تُعْطِهِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فَإِنَّهَا مِنَ الْوَهَنِ، وَلَكِنْ لِيَنْزِلْ عَلَى حُكْمِكَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَإِنْ عَاقَبْتَ كُنْتَ وَلِيَّ الْعُقُوبَةِ، وَإِنْ عَفَوْتَ كَانَ ذَلِكَ لَكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute