للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَدَفَنَ الْحُسَيْنَ وَأَصْحَابَهُ أَهْلُ الْغَاضِرِيَّةِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ بَعْدَ قَتْلِهِمْ بِيَوْمٍ.

وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا سِوَى الْجَرْحَى فَصَلَّى عَلَيْهِمْ عُمَرُ وَدَفَنَهُمْ.

وَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ أُرْسِلَ رَأْسُهُ وَرُءُوسُ أَصْحَابِهِ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ مَعَ خَوَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ وَحُمَيْدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْأَزْدِيِّ، فَوَجَدَ خَوَلِيٌّ الْقَصْرَ مُغْلَقًا فَأَتَى مَنْزِلَهُ فَوَضَعَ الرَّأْسَ تَحْتَ إِجَّانَةٍ فِي مَنْزِلِهِ وَدَخَلَ فِرَاشَهُ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ النَّوَّارِ: جِئْتُكِ بِغِنَى الدَّهْرِ، هَذَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ مَعَكِ فِي الدَّارِ. فَقَالَتْ: وَيْلَكَ! جَاءَ النَّاسُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجِئْتَ بِرَأْسِ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! وَاللَّهِ لَا يَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأَسَكَ بَيْتٌ أَبَدًا! وَقَامَتْ مِنَ الْفِرَاشِ فَخَرَجَتْ إِلَى الدَّارِ، قَالَتْ: فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ إِلَى نُورٍ يَسْطَعُ مِثْلِ الْعَمُودِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْإِجَّانَةِ، وَرَأَيْتُ طَيْرًا أَبْيَضَ يُرَفْرِفُ حَوْلَهَا.

فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِالرَّأْسِ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ.

وَقِيلَ: بَلِ الَّذِي حَمَلَ الرُّءُوسَ كَانَ شَمِرٌ وَقَيْسُ بْنُ الْأَشْعَثِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَجَّاجِ وَعُرْوَةُ بْنُ قَيْسٍ فَجَلَسَ ابْنُ زِيَادٍ وَأُذِّنَ لِلنَّاسِ فَأُحْضِرَتِ الرُّءُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ بَيْنَ ثَنِيَّتِهِ سَاعَةً، فَلَمَّا رَآهُ زَيْدُ بْنُ الْأَرْقَمِ لَا يَرْفَعُ قَضِيبَهُ قَالَ: أَعْلِ هَذَا الْقَضِيبَ عَنْ هَاتَيْنِ الثَّنِيَّتَيْنِ، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ رَأَيْتُ شَفَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَاتَيْنِ الشَّفَتَيْنِ يُقَبِّلُهُمَا! ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْكَ! فَوَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ وَذَهَبَ عَقْلُكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ.

فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ الْعَبِيدُ بَعْدَ الْيَوْمِ، قَتَلْتُمُ ابْنَ فَاطِمَةَ، وَأَمَّرْتُمُ ابْنَ مَرْجَانَةَ، فَهُوَ يُقَتِّلُ خِيَارَكُمْ وَيَسْتَعْبِدُ شِرَارَكُمْ، فَرَضِيتُمْ بِالذُّلِّ، فَبُعْدًا لِمَنْ يَرْضَى بِالذُّلِّ!

فَأَقَامَ عُمَرُ بَعْدَ قَتْلِهِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى الْكُوفَةِ وَحَمَلَ مَعَهُ بَنَاتِ الْحُسَيْنِ وَأَخَوَاتِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الصِّبْيَانِ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَرِيضٌ، فَاجْتَازُوا بِهِمْ عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ صَرْعَى، فَصَاحَ النِّسَاءُ وَلَطَمْنَ خُدُودَهُنَّ، وَصَاحَتْ زَيْنَبُ أُخْتُهُ: يَا مُحَمَّدَاهُ صَلَّى عَلَيْكَ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ! هَذَا الْحُسَيْنُ بِالْعَرَاءِ، مُرَمَّلٌ بِالدِّمَاءِ، مُقَطَّعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>