للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحُرَمِي تَكُونُ مَعَ حُرَمِكَ.

فَقَالَ: أَفْعَلُ، فَبَعَثَ بِامْرَأَتِهِ، وَهِيَ عَائِشَةُ ابْنَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَحُرَمُهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ بِحُرَمِهِ وَحُرَمِ مَرْوَانَ إِلَى يَنْبُعَ، وَقِيلَ: بَلْ أَرْسَلَ حُرَمَ مَرْوَانَ وَأَرْسَلَ مَعَهُمُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ إِلَى الطَّائِفِ.

وَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَنَّ يَزِيدَ قَدْ سَيَّرَ الْجُنُودَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: لَيْتَ السَّمَاءَ وَقَعَتْ عَلَى الْأَرْضِ، إِعْظَامًا لِذَلِكَ.

ثُمَّ إِنَّهُ ابْتُلِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ وَجَّهَ الْحَجَّاجَ فَحَصَرَ مَكَّةَ وَرَمَى الْكَعْبَةَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ.

وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ أَقْبَلَ بِالْجَيْشِ فَبَلَغَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ خَبَرَهُمْ، فَاشْتَدَّ حِصَارُهُمْ لِبَنِي أُمَيَّةَ بِدَارِ مَرْوَانَ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَكُفُّ عَنْكُمْ حَتَّى نَسْتَنْزِلَكُمْ وَنَضْرِبَ أَعْنَاقَكُمْ أَوْ تُعْطُونَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ أَنْ لَا تَبْغُونَا غَائِلَةً، وَلَا تَدُلُّوا لَنَا عَلَى عَوْرَةٍ، وَلَا تُظَاهِرُوا عَلَيْنَا عَدُوًّا، فَنَكُفَّ عَنْكُمْ وَنُخْرِجَكُمْ عَنَّا فَعَاهَدُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ.

وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَدْ جَعَلُوا فِي كُلِّ مَنْهَلٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّامِ زِقًّا مِنْ قَطْرَانٍ وَعُوَّرٍ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَقُوا بِدَلْوٍ حَتَّى وَرَدُوا الْمَدِينَةَ.

فَلَمَّا أَخْرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَنِي أُمَيَّةَ سَارُوا بِأَثْقَالِهِمْ حَتَّى لَقُوا مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ بِوَادِي الْقُرَى فَدَعَا بِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَوَّلِ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ: خَبِّرْنِي مَا وَرَاءَكَ وَأَشِرْ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَدْ أُخِذَ عَلَيْنَا الْعُهُودُ وَالْمَوَاثِيقُ أَنْ لَا نَدُلَّ عَلَى عَوْرَةٍ وَلَا نُظَاهِرَ عَدُوَّنَا.

فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ ابْنَ عُثْمَانَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، وَايْمُ اللَّهِ (لَا أُقِيلُهَا قُرَشِيًّا) بَعْدَكَ! فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ، فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ لِابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ: ادْخُلْ قَبْلِي لَعَلَّهُ يَجْتَزِئُ بِكَ عَنِّي.

فَدَخَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَقَالَ: هَاتِ مَا عِنْدَكَ.

فَقَالَ: نَعَمْ، أَرَى أَنْ تَسِيرَ بِمَنْ مَعَكَ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى ذِي نَخْلَةٍ نَزَلْتَ، فَاسْتَظَلَّ النَّاسُ فِي ظِلِّهِ فَأَكَلُوا مِنْ صَقْرِهِ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ مِنَ الْغَدِ مَضَيْتَ وَتَرَكْتَ الْمَدِينَةَ ذَاتَ الْيَسَارِ ثُمَّ دُرْتَ بِهَا حَتَّى تَأْتِيَهُمْ مِنْ قِبَلِ الْحَرَّةِ مُشَرِّقًا ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الْقَوْمَ، فَإِذَا اسْتَقْبَلْتَهُمْ وَقَدْ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ طَلَعْتَ بَيْنَ أَكْتَافِ أَصْحَابِكَ فَلَا تُؤْذِيهِمْ وَيُصِيبُهُمْ أَذَاهَا وَيَرَوْنَ مِنِ ائْتِلَافِ بَيْضِكُمْ وَأَسِنَّةِ رِمَاحِكُمْ وَسُيُوفِكُمْ وَدُرُوعِكُمْ مَا لَا تَرَوْنَهُ أَنْتُمْ مَا دَامُوا مُغَرِّبِينَ، ثُمَّ قَاتِلْهُمْ وَاسْتَعِنِ اللَّهَ عَلَيْهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>