للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ إِنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَاءَ إِلَى ابْنِ الْغَسِيلِ فَقَاتَلَ مَعَهُ فِي نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ فَارِسًا قِتَالًا حَسَنًا، ثُمَّ قَالَ لِابْنِ الْغَسِيلِ: مَنْ كَانَ مَعَكَ فَارِسًا فَلْيَأْتِنِي فَلْيَقِفْ مَعِي، فَإِذَا حَمَلْتُ فَلْيَحْمِلُوا، فَوَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَبْلَغَ مُسْلِمًا فَأَقْتُلَهُ أَوْ أُقْتَلَ دُونَهُ.

فَفَعَلَ ذَلِكَ وَجَمَعَ الْخَيْلَ إِلَيْهِ، فَحَمَلَ بِهِمُ الْفَضْلُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَانْكَشَفُوا، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: احْمِلُوا أُخْرَى جُعِلْتُ فَدَاكُمْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ عَايَنْتُ أَمِيرَهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُ أَوْ أُقْتَلَ دُونَهُ.

إِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الصَّبْرِ إِلَّا النَّصْرُ! ثُمَّ حَمَلَ وَحَمَلَ أَصْحَابُهُ، فَانْفَرَجْتُ خَيْلُ الشَّامِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ وَمَعَهُ نَحْوُ خَمْسِمِائَةِ رَاجِلٍ جُثَاةٌ عَلَى الرُّكَبِ مُشَرِّعِي الْأَسِنَّةِ نَحْوَ الْقَوْمِ، وَمَضَى الْفَضْلُ كَمَا هُوَ نَحْوَ رَايَةِ مُسْلِمٍ فَضَرَبَ رَأْسَ صَاحِبِهَا، فَقَطَّ الْمِغْفَرَ وَفَلَقَ هَامَتَهُ وَخَرَّ مَيِّتًا، وَقَالَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! وَظَنَّ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَقَالَ: قَتَلْتُ طَاغِيَةَ الْقَوْمِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! فَقَالَ: أَخْطَأَتِ اسْتُكَ الْحُفْرَةَ!

وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ غُلَامًا رُومِيًّا وَكَانَ شُجَاعًا، فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رَايَتَهُ وَحَرَّضَ أَهْلَ الشَّامِ وَقَالَ: شُدُّوا مَعَ هَذِهِ الرَّايَةِ.

فَمَشَى بِرَايَتِهِ وَشَدَّتْ تِلْكَ الرِّجَالُ أَمَامَ الرَّايَةِ، فَصُرِعَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، فَقُتِلَ وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَطْنَابِ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ إِلَّا نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ، وَقُتِلَ مَعَهُ زَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.

وَأَقْبَلَتْ خَيْلُ مُسْلِمٍ وَرَجَّالَتُهُ نَحْوَ ابْنِ الْغَسِيلِ، وَهُوَ يُحَرِّضُ أَصْحَابَهُ وَيَذُمُّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، وَيُقَدِّمُ الْخَيْلَ إِلَى ابْنِ الْغَسِيلِ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمْ تَقْدَمْ عَلَيْهِمْ لِلرِّمَاحِ الَّتِي بِأَيْدِهِمْ وَالسُّيُوفِ، وَكَانَتْ تَتَفَرَّقُ عَنْهُمْ، فَنَادَى مُسْلِمٌ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِضَاهٍ الْأَشْعَرِيَّ وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَنْزِلَا فِي جُنْدِهِمَا، فَفَعَلَا وَتَقَدَّمَا إِلَيْهِمْ، فَقَالَ ابْنُ الْغَسِيلِ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ عَدُوَّكُمْ قَدْ أَصَابَ وَجْهَ الْقِتَالِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَاتِلَكُمْ بِهِ، وَإِنِّي قَدْ ظَنَنْتُ أَلَّا يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً حَتَّى يَفْصِلَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ إِمَّا لَكُمْ وَإِمَّا عَلَيْكُمْ، أَمَا إِنَّكُمْ أَهْلُ النُّصْرَةِ وَدَارُ الْهِجْرَةِ وَمَا أَظُنُّ أَنَّ رَبَّكُمْ أَصْبَحَ عَنْ أَهْلِ بَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضَى مِنْهُ عَنْكُمْ، وَلَا عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِ الْعَرَبِ بِأَسْخَطَ مِنْهُ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، وَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْكُمْ مِيتَةً هُوَ مَيِّتٌ بِهَا لَا مَحَالَةَ، وَوَاللَّهِ مَا مِنْ مِيتَةٍ أَفْضَلُ مِنْ مَيْتَةِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ سَاقَهَا اللَّهُ إِلَيْكُمْ فَاغْتِنَمُوهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>