للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ سُبَيْنَةَ: حَجَّ يَزِيدُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَدِينَةَ جَلَسَ عَلَى شَرَابٍ لَهُ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحُسَيْنُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إِنْ وَجَدَ رِيحَ الشَّرَابِ (عَرَفَهُ، فَحَجَبَهُ وَأَذِنَ لِلْحُسَيْنِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَجَدَ رَائِحَةَ الشَّرَابِ) مَعَ الطِّيبِ فَقَالَ: لِلَّهِ دَرُّ طِيبِكَ مَا أَطْيَبَهُ! فَمَا هَذَا؟ قَالَ: هُوَ طِيبٌ يُصْنَعُ بِالشَّامِ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فَشَرِبَهُ، ثُمَّ دَعَا بِآخِرٍ فَقَالَ: اسْقِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ.

فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: عَلَيْكَ شَرَابَكَ أَيُّهَا الْمَرْءُ لَا عَيْنَ عَلَيْكَ مِنِّي، فَقَالَ يَزِيدُ:

أَلَا يَا صَاحِ لِلْعَجَبْ ... دَعْوَتُكَ وَلَمْ تُجِبْ

إِلَى الْفَتَيَاتِ وَالشَّهَوَاتِ ... وَالصَّهْبَاءِ وَالطَّرَبْ

بَاطِيَةٌ مُكَلَّلَهْ ... عَلَيْهَا سَادَةُ الْعَرَبْ

وَفِيهِنَّ الَّتِي تَبِلَتْ ... فُؤَادَكَ ثُمَّ لَمْ تَثِبْ

فَنَهَضَ الْحُسَيْنُ وَقَالَ: بَلْ فُؤَادُكَ يَا ابْنَ مُعَاوِيَةَ تَبِلَتْ.

وَقَالَ شَفِيقُ بْنُ سَلَمَةَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ثَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَدَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَى بَيْعَتِهِ، فَامْتَنَعَ وَظَنَّ يَزِيدُ أَنَّ امْتِنَاعَهُ تَمَسُّكٌ مِنْهُ بِبَيْعَتِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْمُلْحِدَ ابْنَ الزُّبَيْرِ دَعَاكَ إِلَى بَيْعَتِهِ وَأَنَّكَ اعْتَصَمْتَ بِبَيْعَتِنَا وَفَاءً مِنْكَ لَنَا، فَجَزَاكَ اللَّهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ خَيْرَ مَا يَجْزِي الْوَاصِلِينَ لِأَرْحَامِهِمُ الْمُوفِينَ بِعُهُودِهِمْ، فَمَا أَنْسَ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَلَسْتُ بِنَاسٍ بِرَّكَ وَتَعْجِيلَ صِلَتِكَ بِالَّذِي أَنْتَ لَهُ أَهْلٌ، فَانْظُرْ مَنْ طَلَعَ عَلَيْكَ مِنَ الْآفَاقِ مِمَّنْ سَحَرَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِلِسَانِهِ فَأَعْلِمْهُمْ بِحَالِهِ فَإِنَّهُمْ مِنْكَ أَسْمَعُ النَّاسِ وَلَكَ أَطْوَعُ مِنْهُمْ لِلْمُحِلِّ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ، فَأَمَّا تَرْكِي بَيْعَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَوَاللَّهِ مَا أَرْجُو بِذَلِكَ بِرَّكَ وَلَا حَمْدَكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بِالَّذِي أَنْوِي عَلِيمٌ، وَزَعَمْتَ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَاسٍ بِرِّي، فَاحْبِسْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ بِرَّكَ عَنِّي فَإِنِّي حَابِسٌ عَنْكَ بِرِّي، وَسَأَلْتَ أَنْ أُحَبِّبَ النَّاسَ إِلَيْكَ وَأُبَغِّضَهُمْ وَأُخَذِّلَهُمْ لِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلَا وَلَا سُرُورَ وَلَا كَرَامَةَ، كَيْفَ وَقَدْ قَتَلْتَ حُسَيْنًا وَفِتْيَانَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَصَابِيحَ الْهُدَى وَنُجُومَ الْأَعْلَامِ غَادَرَتْهُمْ خُيُولُكَ بِأَمْرِكَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ مُرَمَّلِينَ بِالدِّمَاءِ، مَسْلُوبِينَ بِالْعَرَاءِ، (مَقْتُولِينَ بِالظِّمَاءِ، لَا مُكَفَّنِينَ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>