للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَ خَلِيفَتُهُ عَلَيْهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، جَمَعَ النَّاسَ وَقَامَ الرَّسُولَانِ فَخَطَبَا أَهْلَ الْكُوفَةِ وَذَكَرَا لَهُمْ ذَلِكَ، فَقَامَ يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الشَّيْبَانِيُّ، وَهُوَ ابْنُ رُوَيْمٍ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَاحَنَا مِنِ ابْنِ سُمَيَّةَ! أَنَحْنُ نُبَايِعُهُ؟ لَا وَلَا كَرَامَةَ! وَحَصَبَهُمَا أَوَّلَ النَّاسِ ثُمَّ حَصَبَهُمَا النَّاسُ بَعْدَهُ، فَشَرَّفَتْ تِلْكَ الْفَعْلَةُ يَزِيدَ بْنَ رُوَيْمٍ فِي الْكُوفَةِ وَرَفَعَتْهُ.

وَرَجَعَ الرَّسُولَانِ إِلَى الْبَصْرَةِ فَأَعْلَمَاهُ الْحَالَ، فَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: أَيَخْلَعُهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَنُوَلِّيهِ نَحْنُ! فَضَعُفَ سُلْطَانُهُ عِنْدَهُمْ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا يُقْضَى، وَيَرَى الرَّأْيَ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُ بِحَبْسِ الْمُخْطِئِ فَيُحَالُ بَيْنَ أَعْوَانِهِ وَبَيْنَهُ.

ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْبَصْرَةِ سَلَمَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ الْحَنْظَلِيُّ التَّمِيمِيُّ فَوَقَفَ فِي السُّوقِ وَبِيَدِهِ لِوَاءٌ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَيَّ، إِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى مَا لَمْ يَدْعُكُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَائِذِ بِالْحَرَمِ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ.

فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ وَجَعَلُوا يُصَفِّقُونَ عَلَى يَدَيْهِ يُبَايِعُونَهُ.

فَبَلَغَ الْخَبَرُ ابْنَ زِيَادٍ، فَجَمَعَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ وَذَكَرَ لَهُمْ أَمْرَهُ مَعَهُمْ وَأَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى مَنْ يَرْتَضُونَهُ، فَبَايَعَهُ مِنْهُمْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَنَّهُمْ أَبَوْا غَيْرَهُ، وَقَالَ: إِنِّي بَلَغَنِي أَنَّكُمْ مَسَحْتُمْ أَكُفَّكُمْ بِالْحِيطَانِ وَبَابِ الدَّارِ وَقُلْتُمْ مَا قُلْتُمْ، وَإِنِّي آمِرٌ بِالْأَمْرِ فَلَا يَنْفُذُ وَيُرَدُّ عَلَيَّ رَأْيِي وَيُحَالُ بَيْنَ أَعْوَانِي وَبَيْنَ طِلْبَتِي، ثُمَّ إِنَّ هَذَا سَلَمَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَدْعُو إِلَى الْخِلَافِ عَلَيْكُمْ لِيُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ وَيَضْرِبَ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ.

فَقَالَ الْأَحْنَفُ وَالنَّاسُ: نَحْنُ نَأْتِيكَ بِسَلَمَةَ، فَأَتَوْهُ بِسَلَمَةَ فَإِذَا جَمْعُهُ قَدْ كُثِفَ وَالْفَتْقُ قَدِ اتَّسَعَ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَعَدُوا عَنِ ابْنِ زِيَادٍ فَلَمْ يَأْتُوهُ.

فَدَعَا عُبَيْدُ اللَّهِ رُؤَسَاءَ مُحَارَبَةِ السُّلْطَانِ وَأَرَادَهُمْ لِيُقَاتِلُوا مَعَهُ، قَالُوا: إِنْ أَمَرَنَا فُؤَادُنَا فَعَلْنَا.

فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: مَا مِنْ خَلِيفَةٍ فَتُقَاتِلُ عَنْهُ فَإِنْ هُزِمْتَ رَجَعْتَ إِلَيْهِ فَأَمَدَّكَ، وَلَعَلَّ الْحَرْبَ تَكُونُ عَلَيْكَ (وَقَدِ اتَّخَذْنَا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالًا) فَإِنْ ظَفِرُوا بِنَا أَهْلَكُونَا وَأَهْلَكُوهَا فَلَمْ تَبْقَ لَكَ بَقِيَّةٌ.

فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَهْبَاءَ الْجَهْضَمِيِّ الْأَزْدِيِّ فَأَحْضَرَهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا حَارِثُ إِنَّ أَبِي أَوْصَانِي أَنِّي إِنِ احْتَجْتُ إِلَى الْهَرَبِ يَوْمًا أَنْ أَخْتَارَكُمْ.

فَقَالَ الْحَارِثُ: إِنْ قُومِي قَدِ اخْتَبَرُوا أَبَاكَ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ مَكَانًا، وَلَا عِنْدَكَ مُكَافَأَةً، وَلَا أَرُدُّكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>