فِضَّةٍ وَلَا مَتَاعٍ، وَمَا هِيَ إِلَّا سُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا، وَزَادٌ قَدْرُ الْبُلْغَةِ، فَمَنْ كَانَ يَنْوِي غَيْرَ هَذَا فَلَا يَصْحَبُنَا.
فَتَنَادَى أَصْحَابُهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: إِنَّا لَا نَطْلُبُ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهَا خَرَجْنَا إِنَّمَا خَرَجْنَا نَطْلُبُ التَّوْبَةَ وَالطَّلَبَ بِدَمِ ابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَلَمَّا عَزَمَ سُلَيْمَانُ عَلَى الْمَسِيرِ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ نُفَيْلٍ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا إِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَإِنْ يَكُنْ لَيْسَ صَوَابًا فَمِنْ قِبَلِي، إِنَّا خَرَجْنَا نَطْلُبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ، وَقَتَلَتُهُ كُلُّهُمْ بِالْكُوفَةِ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَرُءُوسُ الْأَرْبَاعِ وَالْقَبَائِلِ، فَأَيْنَ نَذْهَبُ هَا هُنَا وَنَدَعُ الْأَوْتَارَ؟ فَقَالَ أَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ: هَذَا هُوَ الرَّأْيُ.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَكِنْ أَنَا لَا أَرَى ذَلِكَ، إِنَّ الَّذِي قَتَلَهُ وَعَبَّأَ الْجُنُودَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَا أَمَانَ لَهُ عِنْدِي دُونَ أَنْ يَسْتَسْلِمَ فَأُمْضِي فِيهِ حُكْمِي، هَذَا الْفَاسِقُ ابْنُ الْفَاسِقِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، فَسِيرُوا إِلَيْهِ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَإِنْ يُظْهِرْكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ رَجَوْنَا أَنْ يَكُونَ مَنْ بَعْدَهُ أَهْوَنَ عَلَيْنَا مِنْهُ، وَرَجَوْنَا أَنْ يَدِينَ لَكُمْ أَهْلُ مِصْرِكُمْ فِي عَافِيَةٍ فَيَنْظُرُونَ إِلَى كُلِّ مَنْ شَرَكَ فِي دَمِ الْحُسَيْنِ فَيَقْتُلُونَهُ وَلَا يَغْشِمُوا، وَإِنْ تُسْتَشْهَدُوا فَإِنَّمَا قَاتَلْتُمُ الْمُحِلِّينَ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ، إِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَجْعَلُوا جِدَّكُمْ بِغَيْرِ الْمُحِلِّينَ، وَلَوْ قَاتَلْتُمْ أَهْلَ مِصْرِكُمْ مَا عَدَمَ رَجُلٌ أَنْ يَرَى رَجُلًا قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ وَأَبَاهُ وَحَمِيمَهُ وَرَجُلًا يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَاسْتَخِيرُوا اللَّهَ وَسِيرُوا.
وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ خُرُوجُ ابْنِ صُرَدٍ، فَأَتَيَاهُ فِي أَشْرَافِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَلَمْ يَصْحَبْهُمْ مَنْ شَرَكَ فِي دَمِ الْحُسَيْنِ خَوْفًا مِنْهُ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ يَبِيتُ فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ خَوْفًا مِنْهُمْ.
فَلَمَّا أَتَيَاهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَخُونُهُ وَلَا يَغُشُّهُ، وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا وَأَهْلُ بَلَدِنَا وَأَحَبُّ أَهْلِ مِصْرٍ خَلَقَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا، فَلَا تَفْجَعُونَا بِأَنْفُسِكُمْ وَلَا تَنْقُصُوا عَدَدَنَا بِخُرُوجِكُمْ مِنْ جَمَاعَتِنَا، أَقِيمُوا مَعَنَا حَتَّى نَتَهَيَّأَ، فَإِذَا سَارَ عَدُّونَا إِلَيْنَا خَرَجْنَا إِلَيْهِ بِجَمَاعَتِنَا فَقَاتَلْنَاهُ.
وَجَعَلَ لِسُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ خَرَاجَ جُوخَى إِنْ أَقَامُوا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ لَهُمَا: قَدْ مَحَّضْتُمَا النَّصِيحَةَ وَاجْتَهَدْتُمَا فِي الْمَشُورَةِ، فَنَحْنُ بِاللَّهِ وَلَهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ وَلَا نَرَانَا إِلَّا سَائِرِينَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَأَقِيمُوا حَتَّى (نُعَبِّي مَعَكُمْ جَرِيدًا كَثِيفًا) فَتَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ بِجَمْعٍ كَثِيفٍ. وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُمْ إِقْبَالُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute