الزُّبَيْرِ، فَاعْتَرَضَهَا نَجْدَةُ فَأَخَذَهَا وَسَاقَهَا حَتَّى أَتَى بِهَا أَبَا طَالُوتَ بِالْخَضَارِمِ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ وَرُدُّوا هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ وَاجْعَلُوهُمْ يَعْمَلُونَ الْأَرْضَ لَكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ. فَاقْتَسَمُوا الْمَالَ وَقَالُوا: نَجْدَةُ خَيْرٍ لَنَا مِنْ أَبِي طَالُوتَ، فَخَلَعُوا أَبَا طَالُوتَ وَبَايَعُوا نَجْدَةَ وَبَايَعَهُ أَبُو طَالُوتَ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ، وَنَجْدَةُ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً.
ثُمَّ سَارَ فِي جَمْعٍ إِلَى بَنِي كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَلَقِيَهُمْ بِذِي الْمَجَازِ فَهَزَمَهُمْ وَقَتَلَهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا، وَصَبَرَ كِلَابٌ وَعُطَيْفٌ ابْنَا قُرَّةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الْقُشَيْرِيَّانِ وَقَاتَلَا حَتَّى قُتِلَا، وَانْهَزَمَ قَيْسُ بْنُ الرُّقَادِ الْجَعْدِيُّ فَلَحِقَهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ مُعَاوِيَةَ فَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ رِدْفًا فَلَمْ يَفْعَلْ.
وَرَجَعَ نَجْدَةُ إِلَى الْيَمَامَةِ فَكَثُرَ أَصْحَابُهُ فَصَارُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، ثُمَّ سَارَ نَجْدَةُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ، فَقَالَتِ الْأَزْدُ: نَجْدَةُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ وُلَاتِنَا لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْجُورَ وَوُلَاتُنَا يُجَوِّزُونَهُ، فَعَزَمُوا عَلَى مُسَالَمَتِهِ، وَاجْتَمَعَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ وَمَنْ بِالْبَحْرَيْنِ غَيْرَ الْأَزْدِ عَلَى مُحَارَبَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُ الْأَزْدِ: نَجْدَةُ أَقْرَبُ إِلَيْكُمْ مِنْهُ إِلَيْنَا لِأَنَّكُمْ كُلُّكُمْ مِنْ رَبِيعَةَ فَلَا تُحَارِبُوهُ! وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدَعُ نَجْدَةَ وَهُوَ حَرُورِيٌّ مَارِقٌ تَجْرِي عَلَيْنَا أَحْكَامُهُ. فَالْتَقَوْا بِالْقَطِيفِ فَانْهَزَمَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَسَبَى نَجْدَةُ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْقَطِيفِ، (فَقَالَ الشَّاعِرُ:
نَصَحْتُ لِعَبْدِ الْقَيْسِ يَوْمَ قَطِيفِهَا ... وَمَا نَفْعُ نُصْحٍ، قِيلَ، لَا يُتَقَبَّلُ
وَأَقَامَ نَجْدَةُ بِالْقَطِيفِ وَوَجَّهَ ابْنَهُ الْمُطَّرِحَ فِي جَمْعٍ إِلَى الْمُنْهَزِمِينَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَاتَلُوهُ بِالثُّوَيْرِ، فَقُتِلَ الْمُطَّرِحُ بْنُ نَجْدَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَأَرْسَلَ نَجْدَةُ سَرِيَّةً إِلَى الْخَطِّ فَظَفِرَ بِأَهْلِهِ، وَأَقَامَ نَجْدَةُ بِالْبَحْرَيْنِ. فَلَمَّا قَدِمَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ إِلَى الْبَصْرَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ بَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيَّ الْأَعْوَرَ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا (فَجَعَلَ يَقُولُ: اثْبُتْ نَجْدَةُ فَإِنَّا لَا نَفِرُّ) ، فَقَدِمَ وَنَجْدَةُ بِالْقَطِيفِ، فَأَتَى نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عُمَيْرٍ، وَهُوَ غَافِلٌ، فَقَاتَلَ طَوِيلًا وَافْتَرَقُوا، وَأَصْبَحَ ابْنُ عُمَيْرٍ فَهَالَهُ مَا رَأَى فِي عَسْكَرِهِ مِنَ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى، وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ نَجْدَةُ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنِ انْهَزَمُوا، فَلَمْ يُبْقِ عَلَيْهِمْ نَجْدَةُ وَغَنِمَ مَا فِي عَسْكَرِهِمْ وَأَصَابَ جِوَارِيَ فِيهِنَّ أُمُّ وَلَدٍ لِابْنِ عُمَيْرٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يُرْسِلَهَا إِلَى مَوْلَاهَا فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ بِي إِلَى مَنْ فَرَعَنِي وَتَرَكَنِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute