عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ عَامِلُ الْمُخْتَارِ إِلَى الْمُخْتَارِ يُخْبِرُهُ بِدُخُولِ ابْنِ زِيَادٍ أَرْضَ الْمَوْصِلِ، وَأَنَّهُ قَدْ تَنَحَّى لَهُ عَنِ الْمَوْصِلِ إِلَى تَكْرِيتَ. فَدَعَا الْمُخْتَارُ يَزِيدَ بْنَ أَنَسٍ الْأَسَدِيَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَيَنْزِلَ بِأَدَانِي أَرْضِهَا حَتَّى يَمُدَّهُ بِالْجُنُودِ، فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ: خَلِّنِي أَنْتَخِبُ ثَلَاثَةَ آلَافِ فَارِسٍ، وَخَلِّنِي مِمَّا تُوَجِّهُنِي إِلَيْهِ، فَإِنِ احْتَجْتُ كَتَبْتُ إِلَيْكَ أَسْتَمِدُّكَ. فَأَجَابَهُ الْمُخْتَارُ، فَانْتَخَبَ لَهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَسَارَ عَنِ الْكُوفَةِ، وَسَارَ مَعَهُ الْمُخْتَارُ وَالنَّاسُ يُشَيِّعُونَهُ، فَلَمَّا وَدَّعَهُ قَالَ لَهُ: إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ فَلَا تُنَاظِرْهُمْ، وَإِذَا مَكَّنَتْكَ الْفُرْصَةُ فَلَا تُؤَخِّرْهَا، وَلْيَكُنْ خَبَرُكَ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدِي، وَإِنِ احْتَجْتَ إِلَى مَدَدٍ فَاكْتُبْ إِلَيَّ، مَعَ أَنِّي مُمِدُّكَ وَإِنْ لَمْ تَسْتَمِدَّ ; لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِعَضُدِكَ، وَأَرْعَبُ لِعَدُوِّكَ. وَدَعَا لَهُ النَّاسُ بِالسَّلَامَةِ، وَدَعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: اسْأَلُوا اللَّهَ لِي بِالشَّهَادَةِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ فَاتَنِيَ النَّصْرُ لَا تَفُوتُنِي الشَّهَادَةُ.
فَكَتَبَ الْمُخْتَارُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ أَنْ خَلِّ بَيْنَ يَزِيدَ وَبَيْنَ الْبِلَادِ.
فَسَارَ يَزِيدُ إِلَى الْمَدَائِنِ، ثُمَّ سَارَ إِلَى أَرْضِ جُوخَى وَالرَّاذَانَاتِ إِلَى أَرْضِ الْمَوْصِلِ، فَنَزَلَ بِبَاتِلَى، وَبَلَغَ خَبَرُهُ ابْنَ زِيَادٍ، فَقَالَ: لَأَبْعَثَنَّ إِلَى كُلِّ أَلْفٍ أَلْفَيْنِ. فَأَرْسَلَ رَبِيعَةَ بْنَ مُخَارِقٍ الْغَنَوِيَّ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُمْلَةَ الْخَثْعَمِيَّ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَسَارَ رَبِيعَةُ قَبْلَ عَبْدِ اللَّهِ بِيَوْمٍ فَنَزَلَ بِيَزِيدَ بْنِ أَنَسٍ (بِبَاتِلَى، فَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ أَنَسٍ) وَهُوَ مَرِيضٌ شَدِيدُ الْمَرَضِ، رَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ يُمْسِكُهُ الرِّجَالُ، فَوَقَفَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَعَبَّأَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَقَالَ: إِنْ هَلَكْتُ فَأَمِيرُكُمْ وَرْقَاءُ بْنُ الْعَازِبِ الْأَسَدِيُّ، فَإِنْ هَلَكَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ضَمْرَةَ الْعُذْرِيُّ، فَإِنْ هَلَكَ فَأَمِيرُكُمْ سِعْرُ بْنُ أَبِي سِعْرٍ الْحَنَفِيُّ، وَجَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ سِعْرًا، وَعَلَى الْخَيْلِ وَرْقَاءَ، وَنَزَلَ هُوَ، فَوُضِعَ بَيْنَ الرِّجَالِ عَلَى سَرِيرٍ، وَقَالَ: قَاتِلُوا عَنْ أَمِيرِكُمْ إِنْ شِئْتُمْ أَوْ فِرُّوا عَنْهُ. وَهُوَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِمَا يَفْعَلُونَ، ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُفِيقُ.
وَاقْتَتَلَ النَّاسُ عِنْدَ فَلَقِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ إِلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى، فَانْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ وَأُخِذَ عَسْكَرُهُمْ، وَانْتَهَى أَصْحَابُ يَزِيدَ إِلَى رَبِيعَةَ بْنِ مُخَارِقٍ وَقَدِ انْهَزَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَهُوَ نَازِلٌ يُنَادِي: يَا أَوْلِيَاءَ الْحَقِّ، أَنَا ابْنُ مُخَارِقٍ، إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ الْعَبِيدَ الْأُبَّاقَ وَمَنْ تَرَكَ الْإِسْلَامَ وَخَرَجَ مِنْهُ! فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ، فَقَاتَلُوا مَعَهُ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، ثُمَّ انْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ وَقُتِلَ رَبِيعَةُ بْنُ مُخَارِقٍ، وَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَرْقَاءَ الْأَسَدِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ ضَمْرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute