للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَشِيَّتِهِ (تِلْكَ، ثُمَّ نَزَلَ حِينَ) أَمْسَى، [فَتَعَشَّى أَصْحَابُهُ] وَأَرَاحُوا دَوَابَّهُمْ قَلِيلًا، ثُمَّ سَارَ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا وَمِنَ الْغَدِ، فَوَصَلَ الْعَصْرَ وَبَاتَ لَيْلَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَهْلُ الْقُوَّةَ. وَلَمَّا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْيَمَنِ بِجَبَّانَةِ السَّبِيعِ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَكَرِهَ كُلُّ رَأْسٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مِخْنَفٍ: هَذَا أَوَّلُ الِاخْتِلَافِ، قَدِّمُوا الرِّضَى فِيكُمْ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ رَفَاعَةَ بْنَ شَدَّادٍ الْبَجَلِيَّ. فَفَعَلُوا، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي بِهِمْ حَتَّى كَانَتِ الْوَقْعَةُ.

ثُمَّ إِنَّ الْمُخْتَارَ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ فِي السُّوقِ، وَلَيْسَ فِيهِ بُنْيَانٌ، فَأَمَرَ ابْنَ الْأَشْتَرِ فَسَارَ إِلَى مُضَرَ وَعَلَيْهِمْ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدٍ، وَهُمْ بِالْكُنَاسَةِ، وَخَشِيَ أَنْ يُرْسِلَهُ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، فَلَا يُبَالِغُ فِي قِتَالِ قَوْمِهِ. وَسَارَ الْمُخْتَارُ نَحْوَ أَهْلِ الْيَمَنِ بِجَبَّانَةِ السَّبِيعِ، وَوَقَفَ عِنْدَ دَارِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَسَرَّحَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَحْمَرَ بْنَ شُمَيْطٍ الْبَجَلِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَامِلٍ الشَّاكِرِيَّ، وَأَمَرَ كُلًّا مِنْهُمَا بِلُزُومِ طَرِيقٍ ذَكَرَهُ لَهُ يَخْرُجُ إِلَى جَبَّانَةِ السَّبِيعِ، وَأَسَرَّ إِلَيْهِمَا أَنَّ شِبَامًا قَدْ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ يُخْبِرُونَهُ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ الْقَوْمَ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَمَضَيَا كَمَا أَمَرَهُمَا.

فَبَلَغَ أَهْلَ الْيَمَنِ مَسِيرُهُمَا، فَافْتَرَقُوا إِلَيْهِمَا، وَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ رَآهُ النَّاسُ، ثُمَّ انْهَزَمَ أَصْحَابُ أَحْمَرَ بْنِ شُمَيْطٍ وَأَصْحَابُ ابْنِ كَامِلٍ، وَوَصَلُوا إِلَى الْمُخْتَارِ، فَقَالَ: مَا وَرَاءَكُمْ؟ قَالُوا: هُزِمْنَا، وَقَدْ نَزَلَ أَحْمَرُ بْنُ شُمَيْطٍ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ ابْنِ كَامِلٍ: مَا نَدْرِي مَا فَعَلَ ابْنُ كَامِلٍ.

فَأَقْبَلَ بِهِمُ الْمُخْتَارُ نَحْوَ الْقَوْمِ حَتَّى بَلَغَ دَارَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، فَوَقَفَ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قُرَادٍ الْخَثْعَمِيَّ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ إِلَى ابْنِ كَامِلٍ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ قَدْ هَلَكَ فَأَنْتَ مَكَانَهُ وَقَاتِلِ الْقَوْمَ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَاتْرُكْ عِنْدَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِكَ، وَامْضِ فِي مِائَةٍ حَتَّى تَأْتِيَ جَبَّانَةَ السَّبِيعِ، فَتَأْتِيَ أَهْلَهَا مِنْ نَاحِيَةِ حَمَّامِ قَطَنٍ.

فَمَضَى فَوَجَدَ ابْنَ كَامِلٍ يُقَاتِلُهُمْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ صَبَرُوا مَعَهُ، فَتَرَكَ عِنْدَهُ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَسَارَ فِي مِائَةٍ حَتَّى أَتَى مَسْجِدَ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَظْهَرَ الْمُخْتَارُ، وَأَكْرَهُ أَنْ تَهْلِكَ أَشْرَافُ عَشِيرَتِي الْيَوْمَ، وَوَاللَّهِ لَأَنْ أَمُوتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَهْلِكُوا عَلَى يَدَيَّ، وَلَكِنْ قِفُوا، فَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ شِبَامًا يَأْتُونَهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَلَعَلَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَنُعَافَى نَحْنُ مِنْهُ. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عِنْدَ مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>