الْبُسْتَانِ وَلَمْ يَتَمَتَّعَا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا.
فَأَخْبَرَهُمَا إِلْيَاسُ بِذَلِكَ فَلَمْ يُرَاجِعَا الْحَقَّ. فَلَمَّا رَأَى إِلْيَاسُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَبَوْا إِلَّا الْكُفْرَ وَالظُّلْمَ دَعَا عَلَيْهِمْ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَطَرَ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَهَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ، وَالطُّيُورُ، وَالْهَوَامُّ، وَالشَّجَرُ، وَجَهِدَ النَّاسُ جَهْدًا شَدِيدًا، وَاسْتَخْفَى إِلْيَاسُ خَوْفًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَ يَأْتِيهِ رِزْقُهُ، ثُمَّ إِنَّهُ أَوَى لَيْلَةً إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهَا ابْنٌ يُقَالُ لَهُ الْيَسَعُ بْنُ أَخُطُوبَ بِهِ ضُرٌّ شَدِيدٌ، فَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ مِنَ الضُّرِّ الَّذِي كَانَ بِهِ وَاتَّبَعَ إِلْيَاسَ، وَكَانَ مَعَهُ وَصَحِبَهُ وَصَدَّقَهُ، وَكَانَ إِلْيَاسُ قَدْ كَبِرَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّكَ قَدْ أَهْلَكْتَ كَثِيرًا مِنَ الْخَلْقِ مِنَ الْبَهَائِمِ، وَالدَّوَابِّ، وَالطَّيْرِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَعْصِ سِوَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَقَالَ إِلْيَاسُ: أَيْ رَبِّي، دَعْنِي أَكُنْ أَنَا الَّذِي أَدْعُو لَهُمْ وَأَبْتَهِجُ بِالْفَرَجِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. فَجَاءَ إِلْيَاسُ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ هَلَكْتُمْ وَهَلَكَتِ الدَّوَابُّ بِخَطَايَاكُمْ، فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَاخِطٌ عَلَيْكَمْ بِفِعْلِكُمْ، وَأَنَّ الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ فَاخْرُجُوا بِأَصْنَامِكُمْ وَادْعُوهَا ; فَإِنِ اسْتَجَابَتْ لَكُمْ فَذَلِكَ الْحَقُّ كَمَا تَقُولُونَ، وَإِنْ هِيَ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ عَلَى بَاطِلٍ فَنَزَعْتُمْ وَدَعَوْتُ اللَّهَ فَفَرَّجَ عَنْكُمْ.
قَالُوا: أَنْصَفْتَ. فَخَرَجُوا بِأَصْنَامِهِمْ فَدَعَوْهَا فَلَمْ تَسْتَجِبْ لَهُمْ، وَلَمْ يُفَرَّجْ عَنْهُمْ. فَقَالُوا لِإِلْيَاسَ: إِنَّا قَدْ هَلَكْنَا فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَدَعَا لَهُمْ بِالْفَرَجِ وَأَنْ يُسْقَوْا، فَخَرَجَتْ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، وَعَظُمَتْ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ مِنْهَا الْمَطَرَ، فَحَيِيَتْ بِلَادُهُمْ، وَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، فَلَمْ يَنْزِعُوا وَلَمْ يُرَاجِعُوا الْحَقَّ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إِلْيَاسُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَيُرِيحَهُ مِنْهُمْ، فَكَسَاهُ اللَّهُ الرِّيشَ وَأَلْبَسَهُ النُّورَ، وَقَطَعَ عَنْهُ لَذَّةَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، فَصَارَ مَلَكِيًّا إِنْسِيًّا سَمَاوِيًّا أَرْضِيًّا، وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَى الْمَلِكِ وَقَوْمِهِ عَدُوًّا فَظَفِرَ بِهِمْ، وَقَتَلَ الْمَلِكَ وَزَوْجَتَهُ بِذَلِكَ الْبُسْتَانِ وَأَلْقَاهُمَا فِيهِ حَتَّى بَلِيَتْ لُحُومُهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute