وَكَانَ مَعَ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَعَمْرُو بْنُ يَزِيدَ الْحَكَمِيُّ - إِلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، فَآمَنَهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ فَظَهَرُوا. فَصَنَعَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ لِعَبْدِ الْمَلِكِ طَعَامًا كَثِيرًا، وَأَمَرَ بِهِ إِلَى الْخَوَرْنَقِ، وَأَذِنَ إِذْنًا عَامًّا، فَدَخَلَ النَّاسُ وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ، فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، ثُمَّ جَاءَتِ الْمَوَائِدُ فَأَكَلُوا، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: مَا أَلَذَّ عَيْشَنَا لَوْ دَامَ، وَلَكِنَّا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:
وَكُلُّ جَدِيدٍ يَا أُمَيْمَ إِلَى بِلًى ... وَكُلُّ امْرِئٍ يَصِيرُ يَوْمًا إِلَى كَانْ
فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ طَافَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْقَصْرِ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ مَعَهُ وَهُوَ يَسْأَلُهُ: لِمَنْ هَذَا الْبَيْتُ؟ وَمَنْ بَنَى هَذَا الْبَيْتَ؟ وَعَمْرٌو يُخْبِرُهُ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ:
اعْمَلْ عَلَى مَهَلٍ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ ... وَاكْدَحْ لِنَفْسِكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانْ
فَكَأَنَّ مَا قَدْ كَانَ لَمْ يَكُ إِذْ مَضَى ... وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ قَدْ كَانْ
وَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَازِمٍ مَسِيرُ مُصْعَبٍ لِقِتَالِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: أَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ؟ قِيلَ: لَا، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى فَارِسَ. قَالَ: أَمَعَهُ الْمُهَلَّبُ؟ قِيلَ: لَا، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْخَوَارِجِ. قَالَ: أَمَعَهُ عَبَّادُ بْنُ الْحُصَيْنِ؟ قِيلَ: اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ. قَالَ: وَأَنَا بِخُرَاسَانَ.
خُذِينِي فَجُرِّينِي جَعَارِ وَأَبْشِرِي ... بِلَحْمِ امْرِئٍ لَمْ يَشْهَدِ الْيَوْمَ نَاصِرُهْ
وَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ بَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَأَسَهُ إِلَى الْكُوفَةِ، أَوْ حَمَلَهُ مَعَهُ إِلَيْهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بِمِصْرَ، فَلَمَّا رَآهُ وَقَدْ قَطَعَ السَّيْفُ أَنْفَهُ قَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ! أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتَ مِنْ أَحْسَنِهِمْ خُلُقًا، وَأَشَدِّهِمْ بَأْسًا، وَأَسْخَاهُمْ نَفْسًا. ثُمَّ سَيَّرَهُ إِلَى الشَّامِ فَنُصِبَ بِدِمَشْقَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِ فِي نَوَاحِي الشَّامِ، فَأَخَذَتْهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute