للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَحَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بُدْنَهُ بِمَكَّةَ.

وَلَمَّا حَصَرَ الْحَجَّاجُ ابْنَ الزُّبَيْرِ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَرَمَى بِهِ الْكَعْبَةَ، وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُنْكِرُ ذَلِكَ أَيَّامَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: خُذِلَ فِي دِينِهِ.

وَحَجَّ ابْنُ عُمَرَ تِلْكَ السَّنَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْحَجَّاجِ: أَنِ اتَّقِ اللَّهَ، وَاكْفُفْ هَذِهِ الْحِجَارَةَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّكَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَبَلَدٍ حَرَامٍ، وَقَدْ قَدِمَتْ وُفُودُ اللَّهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِيُؤَدُّوا فَرِيضَةَ اللَّهِ وَيَزْدَادُوا خَيْرًا، وَإِنَّ الْمَنْجَنِيقَ قَدْ مَنَعَهُمْ عَنِ الطَّوَافِ، فَاكْفُفْ عَنِ الرَّمْيِ حَتَّى يَقْضُوا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بِمَكَّةَ. فَبَطَّلَ الرَّمْيَ حَتَّى عَادَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَطَافُوا وَسَعَوْا، وَلَمْ يَمْنَعِ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحَاجَّ مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ نَادَى مُنَادِي الْحَجَّاجِ: انْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ، فَإِنَّا نَعُودُ بِالْحِجَارَةِ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ الْمُلْحِدِ.

وَأَوَّلُ مَا رُمِيَ بِالْمَنْجَنِيقِ إِلَى الْكَعْبَةِ رَعَدَتِ السَّمَاءُ وَبَرَقَتْ، وَعَلَا صَوْتُ الرَّعْدِ عَلَى الْحِجَارَةِ، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ وَأَمْسَكُوا أَيْدِيَهُمْ، فَأَخَذَ الْحَجَّاجُ حَجَرَ الْمَنْجَنِيقِ بِيَدِهِ، فَوَضَعَهُ فِيهِ وَرَمَى بِهِ مَعَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءَتِ الصَّوَاعِقُ فَقَتَلَتْ مِنْ أَصْحَابِهِ اثْنَيْ عَشْرَ رَجُلًا، فَانْكَسَرَ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: يَا أَهْلَ الشَّامِ، لَا تُنْكِرُوا هَذَا، فَإِنِّي ابْنُ تِهَامَةَ وَهَذِهِ صَوَاعِقُهَا، وَهَذَا الْفَتْحُ قَدْ حَضَرَ، فَأَبْشِرُوا. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَاءَتِ الصَّاعِقَةُ، فَأَصَابَتْ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عِدَّةً، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُصَابُونَ وَأَنْتُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَهُمْ عَلَى خِلَافِهَا؟ وَكَانَ الْحَجَرُ يَقَعُ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَا يَنْصَرِفُ، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يَقُولُونَ: يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ طَالَمَا عَصَيْكَا وَطَالَمَا عَنَّيْتَنَا إِلَيْكَا لَتُجْزَيَنَّ بِالَّذِي أَتَيْكَا

<<  <  ج: ص:  >  >>