ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَتَوَلَّى قَتْلَهُ رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ، وَحَمَلَ رَأْسَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ فَسَجَدَ، وَوَفَّدَ السَّكُونِيَّ وَالْمُرَادِيَّ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْخَبَرِ، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ.
وَسَارَ الْحَجَّاجُ وَطَارِقٌ حَتَّى وَقَفَا عَلَيْهِ، فَقَالَ طَارِقٌ: مَا وَلَدَتِ النِّسَاءُ أَذْكَرَ مِنْ هَذَا. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَتَمْدَحُ مُخَالِفَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ أَعْذَرُ لَنَا، وَلَوْلَا هَذَا لَمَا كَانَ لَنَا عُذْرٌ، إِنَّا مُحَاصِرُوهُ مُنْذُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَهُوَ فِي غَيْرِ جُنْدٍ وَلَا حِصْنٍ وَلَا مَنَعَةٍ، فَيَنْتَصِفُ مِنَّا، بَلْ يَفْضُلُ عَلَيْنَا. فَبَلَغَ كَلَامُهُمَا عَبْدَ الْمَلِكِ، فَصَوَّبَ طَارِقًا.
وَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَبَّرَ أَهْلُ الشَّامِ فَرَحًا بِقَتْلِهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ كَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا بِوِلَادَتِهِ، وَهَؤُلَاءِ يُكَبِّرُونَ [فَرَحًا] بِقَتْلِهِ.
وَبَعَثَ الْحَجَّاجُ بِرَأْسِهِ وَرَأْسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ وَرَأْسِ عِمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ ذُهِبَ بِهَا إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَأَخَذَ جُثَّتَهُ فَصَلَبَهَا عَلَى الثَّنِيَّةِ الْيُمْنَى بِالْحَجُونِ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَسْمَاءُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ! عَلَى مَاذَا صَلَبْتَهُ؟ قَالَ: اسْتَبَقْتُ أَنَا وَهُوَ إِلَى هَذِهِ الْخَشَبَةِ وَكَانَتْ لَهُ. فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي تَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ، فَأَبَى وَوَكَّلَ بِالْخَشَبَةِ مَنْ يَحْرُسُهَا، وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يُخْبِرُهُ بِصَلْبِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَلُومُهُ وَيَقُولُ: أَلَا خَلَّيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ! فَأَذِنَ لَهَا الْحَجَّاجُ، فَدَفَنَتْهُ بِالْحَجُونِ، فَمَرَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا خُبَيْبٍ! أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، وَلَقَدْ كُنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ قَوْمًا أَنْتَ شَرُّهُمْ لَنِعْمَ الْقَوْمُ.
وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَبْلَ قَتْلِهِ بَقِيَ أَيَّامًا يَسْتَعْمِلُ الصَّبْرَ وَالْمِسْكَ لِئَلَّا يُنْتِنَ، فَلَمَّا صُلِبَ ظَهَرَتْ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ، فَقِيلَ: (إِنَّ الْحَجَّاجَ صَلَبَ مَعَهُ كَلْبًا مَيِّتًا، فَغَلَبَ عَلَى رِيحِ الْمِسْكِ، وَقِيلَ: بَلْ صَلَبَ مَعَهُ سِنَّوْرًا) .
وَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ رَكِبَ أَخُوهُ عُرْوَةُ نَاقَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، فَسَارَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَدِمَ الشَّامَ قَبْلَ وُصُولِ رُسُلِ الْحَجَّاجِ بِقَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَتَى بَابَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute