للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَأْكُلُ النَّاسُ. فَطُلِبَ الرَّسُولُ فَلَمْ يُوجَدْ، فَوَصَلَ إِلَى حَسَّانَ وَقَدِ احْتَرَقَ الْكِتَابُ بِالنَّارِ، فَعَادَ إِلَى خَالِدٍ وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِمَا كَتَبَ أَوَّلًا، وَأَوْدَعَهُ قَرَبُوسَ السَّرْجِ.

فَسَارَ حَسَّانُ، فَلَمَّا عَلِمَتِ الْكَاهِنَةُ بِمَسِيرِهِ إِلَيْهَا قَالَتْ: إِنَّ الْعَرَبَ يُرِيدُونَ الْبِلَادَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نُرِيدُ الْمَزَارِعَ وَالْمَرَاعِيَ، وَلَا أَرَى إِلَّا [أَنْ] أُخَرِّبَ إِفْرِيقِيَّةَ حَتَّى يَيْأَسُوا مِنْهَا. وَفَرَّقَتْ أَصْحَابَهَا لِيُخَرِّبُوا الْبِلَادَ، فَخَرَّبُوهَا وَهَدَمُوا الْحُصُونَ وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ، وَهَذَا هُوَ الْخَرَابُ الْأَوَّلُ لِإِفْرِيقِيَّةَ.

فَلَمَّا قَرُبَ حَسَّانُ مِنَ الْبِلَادِ لَقِيَهُ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِهَا مِنَ الرُّومِ يَسْتَغِيثُونَ مِنَ الْكَاهِنَةِ، وَيَشْكُونَ إِلَيْهِ مِنْهَا، فَسَرَّهُ ذَلِكَ وَسَارَ إِلَى قَابِسَ، فَلَقِيَهُ أَهْلُهَا بِالْأَمْوَالِ وَالطَّاعَةِ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَتَحَصَّنُونَ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَجَعَلَ فِيهَا عَامِلًا، وَسَارَ إِلَى قَفْصَةَ لِيَتَقَرَّبَ الطَّرِيقَ، فَأَطَاعَهُ مَنْ بِهَا وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَعَلَى قَسْطِيلِيَةَ وَنَفْزَاوَةَ.

وَبَلَغَ الْكَاهِنَةَ قُدُومُهُ، فَأَحْضَرَتْ وَلَدَيْنِ لَهَا وَخَالِدَ بْنَ يَزِيدَ، وَقَالَتْ لَهُمْ: إِنَّنِي مَقْتُولَةٌ، فَامْضُوا إِلَى حَسَّانَ، وَخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْهُ أَمَانًا. فَسَارُوا إِلَيْهِ وَبَقُوا مَعَهُ، وَسَارَ حَسَّانُ نَحْوَهَا، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ الْفَنَاءُ، ثُمَّ نَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ، وَانْهَزَمَ الْبَرْبَرُ وَقُتِلُوا قَتْلًا ذَرِيعًا، وَانْهَزَمَتِ الْكَاهِنَةُ، ثُمَّ أُدْرِكَتْ فَقُتِلَتْ.

ثُمَّ إِنَّ الْبَرْبَرَ اسْتَأْمَنُوا إِلَى حَسَّانَ، فَآمَنَهُمْ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ عَسْكَرٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عُدَّتَهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا يُجَاهِدُونَ الْعَدُوَّ، فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، فَجَعَلَ عَلَى هَذَا الْعَسْكَرِ ابْنَيِ الْكَاهِنَةِ. ثُمَّ فَشَا الْإِسْلَامُ فِي الْبَرْبَرِ، وَعَادَ حَسَّانُ إِلَى الْقَيْرَوَانِ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ، وَأَقَامَ لَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمَلِكِ.

فَلَمَّا وَلِيَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَّى إِفْرِيقِيَّةَ عَمَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَرْوَانَ، فَعَزَلَ عَنْهَا حَسَّانَ، وَاسْتَعْمَلَ مُوسَى بْنَ نُصَيْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْكَاهِنَةَ خَرَجَتْ غَضَبًا لِقَتْلِ كُسَيْلَةَ، وَمَلَكَتْ إِفْرِيقِيَّةَ جَمِيعَهَا، وَعَمِلَتْ بِأَهْلِهَا الْأَفَاعِيلَ الْقَبِيحَةَ، وَظَلَمَتْهُمُ الظُّلْمَ الشَّنِيعَ، وَنَالَ مَنْ بِالْقَيْرَوَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَذًى شَدِيدًا بَعْدَ قَتْلِ زُهَيْرِ بْنِ قَيْسٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ، فَاسْتَعْمَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ حَسَّانَ بْنَ النُّعْمَانِ، فَسَارَ فِي جُيُوشٍ كَثِيرَةٍ وَقَصَدَ الْكَاهِنَةَ، فَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَعَادَ حَسَّانُ مُنْهَزِمًا إِلَى نَوَاحِي بَرْقَةَ، فَأَقَامَ بِهَا إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>