فَقَالُوا لَهُ: مَا كُنْتَ قَطُّ أَكْذَبَ مِنْكَ السَّاعَةَ وَنَحْنُ مِنْ سِبْطِ الْمَمْلَكَةِ وَلَمْ يُؤْتَ طَالُوتُ سَعَةً مِنَ الْمَالِ فَنَتَّبِعَهُ.
فَقَالَ أَشْمُوِيلُ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: ٢٤٧] . فَقَالُوا إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأْتِ بِآيَةٍ. فَقَالَ: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ} [البقرة: ٢٤٨] . وَالسَّكِينَةُ رَأْسُ هِرٍّ، وَقِيلَ طَشْتٌ مِنْ ذَهَبٍ يُغْسَلُ فِيهَا قُلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَفِيهِ الْأَلْوَاحُ وَهِيَ مِنْ دُرٍّ، وَيَاقُوتٍ، وَزَبَرْجَدٍ، وَأَمَّا الْبَقِيَّةُ فَهِيَ عَصَا مُوسَى، وَرَضَاضَةُ الْأَلْوَاحِ.
فَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَأَتَتْ بِهِ إِلَى طَالُوتَ نَهَارًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، فَأَخْرَجَهُ طَالُوتُ إِلَيْهِمْ، فَأَقَرُّوا بِمُلْكِهِ سَاخِطِينَ وَخَرَجُوا مَعَهُ كَارِهِينَ، وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْفًا. فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لَهُمْ طَالُوتُ: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: ٢٤٩] . وَهُوَ نَهَرُ فِلَسْطِينَ، وَقِيلَ: الْأُرْدُنُّ، فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا، وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ عَطِشَ وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ إِلَّا غُرْفَةً رَوِيَ، {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [البقرة: ٢٤٩] . لَقِيَهُمْ جَالُوتُ، وَكَانَ ذَا بَأْسٍ شَدِيدٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ رَجَعَ أَكْثَرُهُمْ وَ {قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} [البقرة: ٢٤٩] ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ غَيْرُ ثَلَاثِمَائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ عَدَدُ أَهْلِ بَدْرٍ، فَلَمَّا رَجَعَ مَنْ رَجَعَ قَالُوا: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ٢٤٩] . وَكَانَ فِيهِمْ إِيشَى أَبُو دَاوُدَ وَمَعَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ابْنًا، وَكَانَ دَاوُدُ أَصْغَرَ بَنِيهِ، وَقَدْ خَلَّفَهُ يَرْعَى لَهُمْ وَيَحْمِلُ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ لِأَبِيهِ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَبَتَاهْ، مَا أَرْمِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute