عَلِيٍّ، وَصُلِبَ مَعَهُ بِالْكُوفَةِ، وَنَزَلَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَحَمَلَتْ عَلَيْهِمُ الْخَوَارِجُ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَانْكَشَفَ النَّاسُ عَنْهُ، وَبَقِيَ فِي عِصَابَةٍ مِنْ أَهْلِ الصَّبْرِ ثَبَتُوا مَعَهُ، وَكَانَ ابْنُهُ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيمَنْ بَعَثَهُ إِلَى الْمُهَلَّبِ، فَنَادَى فِي النَّاسِ لِيَتْبَعُوهُ إِلَى أَبِيهِ، فَلَمْ يَتْبَعْهُ إِلَّا نَاسٌ قَلِيلٌ، فَجَاءَ حَتَّى دَنَا مِنْ أَبِيهِ، فَحَالَتِ الْخَوَارِجُ بَيْنَهُمَا، فَقَاتَلَ حَتَّى جُرِحَ. وَقَاتَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى تَلٍّ مُشْرِفٍ، حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُتِلَ فِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءَ الْمُهَلَّبُ فَدَفَنَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِذَلِكَ فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَذَمَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ.
وَبَعَثَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَسْكَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَتَّابَ بْنَ وَرْقَاءَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْمَعَ لِلْمُهَلَّبِ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ طَاعَتِهِ، فَجَاءَ إِلَى الْعَسْكَرِ، وَقَاتَلَ الْخَوَارِجَ وَأَمْرُهُ إِلَى الْمُهَلَّبِ وَهُوَ يَقْضِي أُمُورَهُ، وَلَا يَكَادُ يَسْتَشِيرُ الْمُهَلَّبَ. فَوَضَعَ عَلَيْهِ الْمُهَلَّبُ رِجَالًا اصْطَنَعَهُمْ وَأَغْرَاهُمْ بِهِ، مِنْهُمْ بِسْطَامُ بْنُ مَصْقَلَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ.
وَجَرَى بَيْنَ عَتَّابٍ وَالْمُهَلَّبِ ذَاتَ يَوْمٍ كَلَامٌ أَغْلَظَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَرَفَعَ الْمُهَلَّبُ الْقَضِيبَ عَلَى عَتَّابٍ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ ابْنُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، فَقَبَضَ الْقَضِيبَ وَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ! شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ الْعَرَبِ، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، إِنْ سَمِعْتَ [مِنْهُ] بَعْضَ مَا تَكْرَهُ، فَاحْتَمِلْهُ لَهُ فَإِنَّهُ لِذَلِكَ أَهْلٌ. فَفَعَلَ، فَافْتَرَقَا، فَأَرْسَلَ عَتَّابٌ إِلَى الْحَجَّاجِ يَشْكُو الْمُهَلَّبَ، وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ حَاجَةً مِنَ الْحَجَّاجِ إِلَيْهِ فِيمَا لَقِيَ أَشْرَافُ الْكُوفَةِ مِنْ شَبِيبٍ، فَاسْتَقْدَمَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ الْجَيْشَ مَعَ الْمُهَلَّبِ، فَجَعَلَ الْمُهَلَّبُ عَلَيْهِمُ ابْنَهُ حَبِيبًا.
وَقَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْبَارِقِيُّ يَرْثِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مِخْنَفٍ:
ثَوَى سَيِّدُ الْأَزْدَيْنِ أَزْدِ شَنُوءَةَ ... وَأَزْدِ عُمَانَ رَهْنَ رَمْسٍ بِكَازِرِ
وَضَارَبَ حَتَّى مَاتَ أَكْرَمَ مِيتَةٍ ... بِأَبْيَضَ صَافٍ كَالْعَقِيقَةِ بَاتِرِ
وَصُرِّعَ عِنْدَ التَّلِّ تَحْتَ لِوَائِهِ ... كِرَامُ الْمَسَاعِي مِنْ كِرَامِ الْمَعَاشِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute