للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَتَابِعُونِي عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ ; لِيَجْتَمِعَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ. فَقَالُوا: اذْكُرْهُ فَإِنْ يَكُنْ حَقًّا نُجِبْكَ إِلَيْهِ. قَالَ: أَدْعُوكُمْ إِلَى أَنْ نُقَاتِلَ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةَ عَلَى إِحْدَاثِهِمْ، وَنَدْعُوَهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، يُؤَمِّرُونَ مَنْ يَرْتَضُونَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ الَّتِي تَرَكَهُمْ عَلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ إِذَا عَلِمَتْ أَنَّ مَا يُرَادُ بِالشُّورَى الرِّضَى مِنْ قُرَيْشٍ رَضُوا، وَكَثُرَ تَبَعُكُمْ وَأَعْوَانُكُمْ. فَقَالُوا: هَذَا مَا لَا نُجِيبُكَ إِلَيْهِ. وَقَامُوا مِنْ عِنْدِهِ وَتَرَدَّدُوا بَيْنَهُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ تَجْتَمِعْ كَلِمَتُهُمْ، فَسَارُوا مِنْ عِنْدِهِ. وَأَحْضَرَ مُطَرِّفٌ نُصَحَاءَهُ وَثِقَاتِهِ، فَذَكَرَ لَهُمْ ظُلْمَ الْحَجَّاجِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَأَنَّهُ مَا زَالَ يُؤْثِرُ مُخَالَفَتَهُمْ وَمُنَاهَضَتَهُمْ، وَأَنَّهُ يَرَى ذَلِكَ دِينًا لَوْ وَجَدَ عَلَيْهِ أَعْوَانًا، وَذَكَرَ لَهُمْ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ شَبِيبٍ، وَأَنَّهُمْ لَوْ تَابَعُوهُ عَلَى رَأْيِهِ لَخَلَعَ عَبْدَ الْمَلِكِ وَالْحَجَّاجَ، وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُ.

فَقَالُوا لَهُ: اخْفِ هَذَا الْكَلَامَ وَلَا تُظْهِرْهُ لِأَحَدٍ. فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: وَاللَّهِ لَا يَخْفَى عَلَى الْحَجَّاجِ مِمَّا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَلَيُزَادَنَّ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، وَلَوْ كُنْتَ فِي السَّحَابِ لَالْتَمَسَكَ الْحَجَّاجُ حَتَّى يَهْلِكَ، فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ!

فَوَافَقَهُ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَسَارَ عَنِ الْمَدَائِنِ نَحْوَ الْجِبَالِ، فَلَقِيَهُ قَبِيصَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَثْعَمِيُّ بِدَيْرِ يَزْدَجِرْدَ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ نَفَقَةً وَكِسْوَةً، فَصَحِبَهُ ثُمَّ عَادَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مُطَرِّفٌ لِأَصْحَابِهِ بِالدَّسْكَرَةِ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَكَانَ رَأْيُهُ خَلْعَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْحَجَّاجِ، وَالدُّعَاءَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، يَرْتَضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَنْ أَحَبُّوهُ. فَبَايَعَهُ الْبَعْضُ عَلَى ذَلِكَ، وَرَجَعَ عَنْهُ الْبَعْضُ.

وَكَانَ مِمَّنْ رَجَعَ عَنْهُ سَبْرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِخْنَفٍ، فَجَاءَ إِلَى الْحَجَّاجِ، وَقَاتَلَ شَبِيبًا مَعَ أَهْلِ الشَّامِ.

وَسَارَ مُطَرِّفٌ نَحْوَ حُلْوَانَ، وَكَانَ بِهَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيُّ مِنْ قِبَلِ الْحَجَّاجِ، فَأَرَادَ هُوَ وَالْأَكْرَادُ مَنْعَهُ لِيُعْذَرَ عِنْدَ الْحَجَّاجِ، فَجَازَهُ مُطَرِّفٌ بِمُوَاطَأَةٍ مِنْهُ، وَأَوْقَعَ مُطَرِّفٌ بِالْأَكْرَادِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَسَارَ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ هَمَذَانَ وَبِهَا أَخُوهُ حَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ تَرَكَهَا ذَاتَ الْيَسَارِ، وَقَصَدَ مَاهَ دِينَارٍ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ حَمْزَةَ يَسْتَمِدُّهُ بِالْمَالِ وَالسِّلَاحِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سِرًّا مَا طَلَبَ. وَسَارَ مُطَرِّفٌ حَتَّى بَلَغَ قُمَّ وَقَاشَانَ، وَبَعَثَ عُمَّالَهُ عَلَى تِلْكَ النَّوَاحِي،

<<  <  ج: ص:  >  >>