وَصَبَابَةٌ إِلَى أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَاتْرُكْهُمْ حَتَّى يَسْقُطُوا إِلَى أَهَالِيهِمْ وَيَشُمُّوا أَوْلَادَهُمْ، ثُمَّ وَاقِعْهُمْ عِنْدَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكَ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ سَبَّهُ وَقَالَ: مَا إِلَيَّ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ لِابْنِ عَمِّهِ. يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ.
وَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُ الْحَجَّاجِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ هَالَهُ، وَدَعَا خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كَانَ الْحَدَثُ مِنْ سِجِسْتَانَ فَلَا تَخَفْهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ خُرَاسَانَ فَإِنِّي أَتَخَوَّفُهُ. فَجَهَّزَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْجُنْدَ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَكَانُوا يَصِلُونَ إِلَى الْحَجَّاجِ عَلَى الْبَرِيدِ، مِنْ مِائَةٍ، وَمِنْ خَمْسِينَ، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، وَكُتُبُ الْحَجَّاجِ تَتَّصِلُ بِعَبْدِ الْمَلِكِ كُلَّ يَوْمٍ بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَسَارَ الْحَجَّاجُ مِنَ الْبَصْرَةِ لِيَلْتَقِيَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَنَزَلَ تُسْتَرَ، وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُقَدِّمَةً إِلَى دُجَيْلٍ، فَلَقُوا عِنْدَهُ خَيْلًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ الْحَجَّاجِ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْأَضْحَى سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ.
فَلَمَّا أَتَى خَبَرُ الْهَزِيمَةِ إِلَى الْحَجَّاجِ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَتَبِعَهُ أَصْحَابُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَأَصَابُوا بَعْضَ أَثْقَالِهِمْ، وَأَقْبَلَ الْحَجَّاجُ حَتَّى نَزَلَ الزَّاوِيَةَ، وَجَمَعَ عِنْدَهُ الطَّعَامَ، وَتَرَكَ الْبَصْرَةَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَلَمَّا رَجَعَ نَظَرَ فِي كِتَابِ الْمُهَلَّبِ فَقَالَ: لِلَّهِ دَرُّهُ أَيُّ صَاحِبِ حَرْبٍ هُوَ! وَفَرَّقَ فِي النَّاسِ مِائَةً وَخَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
فَأَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَتَّى دَخَلَ الْبَصْرَةَ، فَبَايَعَهُ جَمِيعُ أَهْلِهَا قُرَّاؤُهَا وَكُهُولُهَا، مُسْتَبْصِرِينَ فِي قِتَالِ الْحَجَّاجِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. وَكَانَ السَّبَبُ فِي سُرْعَةِ إِجَابَتِهِمْ إِلَى بَيْعَتِهِ أَنَّ عُمَّالَ الْحَجَّاجِ كَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّ الْخَرَاجَ قَدِ انْكَسَرَ، وَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ قَدْ أَسْلَمُوا وَلَحِقُوا بِالْأَمْصَارِ. فَكَتَبَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا: إِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ قَرْيَةٍ فَلْيَخْرُجْ إِلَيْهَا. فَأَخْرَجَ النَّاسَ لِتُؤْخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ، فَجَعَلُوا يَبْكُونَ وَيُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدَاهُ يَا مُحَمَّدَاهُ! وَلَا يَدْرُونَ أَيْنَ يَذْهَبُونَ، وَجَعَلَ قُرَّاءُ الْبَصْرَةِ يَبْكُونَ لِمَا يَرَوْنَ، فَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ الْأَشْعَثِ عُقَيْبَ ذَلِكَ بَايَعُوهُ عَلَى حَرْبِ الْحَجَّاجِ وَخَلْعِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَخَنْدَقَ الْحَجَّاجُ عَلَى نَفْسِهِ، وَخَنْدَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَكَانَ دُخُولُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرَةَ فِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute