للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ بِنَاءِ مَدِينَةِ وَاسِطٍ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَنَى الْحَجَّاجُ وَاسِطًا.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّاجَ ضَرَبَ الْبَعْثَ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى خُرَاسَانَ، وَعَسْكَرَ بِحَمَّامِ عُمَرَ، وَكَانَ فَتًى مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَانْصَرَفَ مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَى ابْنَةِ عَمِّهِ لَيْلًا، فَطَرَقَ الْبَابَ طَارِقٌ، وَدَقَّهُ دَقًّا شَدِيدًا، فَإِذَا سَكْرَانُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالَتْ لِلرَّجُلِ ابْنَةُ عَمِّهِ: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ هَذَا الشَّامِيِّ شَرًّا، يَفْعَلُ بِنَا كُلَّ لَيْلَةٍ مَا تَرَى، يُرِيدُ الْمَكْرُوهَ، وَقَدْ شَكَوْتُهُ إِلَى مَشْيَخَةِ أَصْحَابِهِ. فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا: ائْذَنِي لَهُ، فَأَذِنَتْ لَهُ، فَقَتَلَهُ زَوْجُهَا، فَلَمَّا أَذَّنَ الْفَجْرُ خَرَجَ إِلَى الْعَسْكَرِ، وَقَالَ لِابْنَةِ عَمِّهِ: إِذَا صَلَّيْتِ الْفَجْرَ فَابْعَثِي إِلَى الشَّامِيِّينَ لِيَأْخُذُوا صَاحِبَهُمْ، فَإِذَا أَحْضَرُوكِ عِنْدَ الْحَجَّاجِ فَاصْدُقِيهِ الْخَبَرَ عَلَى وَجْهِهِ.

فَفَعَلَتْ فَأُحْضِرَتْ عِنْدَ الْحَجَّاجِ فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: صَدَقْتِنِي. وَقَالَ لِلشَّامِيِّينَ: خُذُوا صَاحِبَكُمْ لَا قَوَدَ لَهُ وَلَا عَقْلَ، فَإِنَّهُ قَتِيلُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ. ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ: لَا يَنْزِلَنَّ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ.

وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ أَنْزَلَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَخَرَجَ أَهْلُ الشَّامِ فَعَسْكَرُوا، وَبَعَثَ رُوَّادًا يَرْتَادُونَ لَهُ مَنْزِلًا، وَأَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ مَوْضِعَ وَاسِطٍ، فَإِذَا رَاهِبٌ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِمَوْضِعِ وَاسِطٍ بَالَ الْحِمَارُ، فَنَزَلَ الرَّاهِبُ فَاحْتَفَرَ ذَلِكَ الْبَوْلَ، وَاحْتَمَلَهُ وَرَمَاهُ فِي دِجْلَةَ وَالْحَجَّاجُ يَرَاهُ. فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِ. فَأُتِيَ بِهِ. فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَهُ؟ قَالَ: نَجِدُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ يُبْنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَسْجِدٌ يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ مَا دَامَ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ يُوَحِّدُهُ. فَاخْتَطَّ الْحَجَّاجُ مَدِينَةَ وَاسِطٍ وَبَنَى الْمَسْجِدَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ.

ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا هِشَامَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ. وَكَانَ الْعُمَّالُ هَذِهِ السَّنَةَ سِوَى الْمَدِينَةِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي السَّنَةِ قَبْلَهَا.

قِيلَ: وَكَانَ الْحَجَّاجُ قَدْ سَيَّرَ نِسَاءَهُ وَأَهْلَهُ إِلَى الشَّامِ خَوْفًا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَشْعَثِ، وَفِيهِنَّ أُخْتُهُ زَيْنَبُ الَّتِي ذَكَرَهَا النُّمَيْرُ فِي شِعْرِهِ، فَلَمَّا هُزِمَ ابْنُ الْأَشْعَثِ أَرْسَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>