للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَزْوَتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنَا خِلْوٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيًّا أَبْوَابَنَا هَذِهِ الْخَبِيثَةَ أَنْ تُطِيفُوا بِهَا.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ: لَمَّا نَزَلَ بِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ الْمَوْتُ أَمَرَ بِفَتْحِ بَابِ قَصْرِهِ، فَإِذَا قَصَّارٌ يُقَصِّرُ ثَوْبًا فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ قَصَّارًا! يَا لَيْتَنِي كُنْتُ قَصَّارًا! مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُمْ يَفْزَعُونَ إِلَيْنَا وَلَا نَفْزَعُ إِلَيْهِمْ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ: إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ حِينَ ثَقُلَ جَعَلَ يَلُومُ نَفْسَهُ، وَيَضْرِبُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَكْتَسِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ مَا يُقَوِّتُنِي، وَأَشْتَغِلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ خَازِمٍ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ عِنْدَ الْمَوْتِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَا نَتَمَنَّى عِنْدَ الْمَوْتِ مَا هُمْ فِيهِ. وَقَالَ مَسْعُودُ بْنُ خَلَفٍ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فِي مَرَضِهِ: وَاللَّهِ وَدِدْتُ أَنِّي عَبْدٌ لِرَجُلٍ مِنْ تِهَامَةَ أَرْعَى غَنَمًا فِي جِبَالِهَا، وَأَنِّي لَمْ أَكُ شَيْئًا.

وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ: يُرْوَى أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ قَالَ: ارْفَعُونِي عَلَى شَرَفٍ. فَفُعِلَ ذَلِكَ. فَتَنَسَّمَ الرَّوْحَ ثُمَّ قَالَ: يَا دُنْيَا مَا أَطْيَبَكِ! إِنَّ طَوِيلَكِ لَقَصِيرٌ، وَإِنَّ كَبِيرَكِ لَحَقِيرٌ، وَإِنْ كُنَّا مِنْكِ لَفِي غُرُورٍ! وَتَمَثَّلَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ: إِنْ تُنَاقِشْ يَكُنْ نِقَاشُكَ يَارَبِّ عَذَابًا، لَا طَوْقَ لِي بِالْعَذَابِ أَوْ تُجَاوِزْ فَأَنْتَ رَبٌّ صَفُوحٌ عَنْ مُسِيءٍ ذُنُوبُهُ كَالتُّرَابِ

وَيُرْوَى أَنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ تَمَثَّلَ بِهَا مُعَاوِيَةُ، وَيَحِقُّ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَنْ يَحْذَرَ هَذَا الْحَذَرَ وَيَخَافَ، فَإِنَّ مَنْ يَكُنِ الْحَجَّاجُ بَعْضَ سَيِّئَاتِهِ يَعْلَمُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَقْدَمُ عَلَيْهِ.

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، صِرْتُ أَعْمَلُ الْخَيْرَ فَلَا أُسِرُّ بِهِ، وَأَصْنَعُ الشَّرَّ فَلَا أُسَاءُ بِهِ. فَقَالَ: الْآنَ تَكَامَلَ فِيكَ مَوْتُ الْقَلْبِ.

وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَوَّلَ مَنْ غَدَرَ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِعْلُهُ بِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَقَلَ الدِّيوَانَ مِنَ الْفَارِسِيَّةِ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، وَأَوَّلَ مَنْ نَهَى عَنِ الْكَلَامِ فِي حَضْرَةِ الْخُلَفَاءِ، وَكَانَ النَّاسُ قَبْلَهُ يُرَاجِعُونَهُمْ، وَأَوَّلَ خَلِيفَةٍ بَخِلَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ رَشْحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>