فَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَوُتَى بِأَحَدٍ يَطْعَنُ عَلَى إِمَامِهِ إِلَّا صَلَبْتُهُ فِي الْحَرَمِ، إِنِّي لَا أَرَى فِيمَا كَتَبَ بِهِ الْخَلِيفَةُ أَوْ رَآهُ إِلَّا إِمْضَاءَهُ. وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ يَنْظُرُ إِلَى بِنَائِهِ، وَأَخْرَجَ النَّاسَ مِنْهُ، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ لَمْ يَجْرُؤْ أَحَدٌ مِنَ الْحَرَسِ أَنْ يُخْرِجَهُ، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ قُمْتَ. قَالَ: لَا أَقُومُ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الَّذِي كُنْتُ أَقُومُ فِيهِ. فَقِيلَ: لَوْ سَلَّمْتَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: فَجَعَلْتُ أَعْدِلُ بِالْوَلِيدِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَرَاهُ، فَالْتَفَتَ الْوَلِيدُ [إِلَى] الْقِبْلَةِ فَقَالَ: مَنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ؟ أَهْوَ سَعِيدٌ؟ قَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، وَمِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ عَلِمَ بِمَكَانِكَ; لَقَامَ فَسَلَّمَ عَلَيْكَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْبَصَرِ. قَالَ الْوَلِيدُ: قَدْ عَلِمْتُ حَالَهُ وَنَحْنُ نَأْتِيهِ. فَدَارَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟ فَوَاللَّهِ مَا تَحَرَّكَ سَعِيدٌ بَلْ قَالَ: بِخَيْرٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَكَيْفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكَيْفَ حَالُهُ؟ فَانْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ لِعُمَرَ: هَذَا بَقِيَّةُ النَّاسِ!
وَقَسَّمَ بِالْمَدِينَةِ دَقِيقًا كَثِيرًا وَآنِيَةً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَأَمْوَالًا، وَصَلَّى بِالْمَدِينَةِ الْجُمُعَةَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى جَالِسًا، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ قَائِمًا. قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى: فَقُلْتُ لِرَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ وَهُوَ مَعَهُ: أَهَكَذَا تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، مُكَرِّرًا، وَهَكَذَا صَنَعَ مُعَاوِيَةُ وَهَلُمَّ جَرَّا. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: هَلَّا تُكَلِّمُهُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ كَلَّمَ عَبْدَ الْمَلِكِ وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُعُودَ، وَقَالَ: هَكَذَا خَطَبَ عُثْمَانُ. قَالَ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا خَطَبَ إِلَّا قَائِمًا. قَالَ رَجَاءٌ: رُوِيَ لَهُمْ شَيْءٌ فَاقْتَدَوْا بِهِ. قَالَ إِسْحَاقُ: وَلَمْ نَرَ مِنْهُمْ أَشَدَّ تَجَبُّرًا مِنْهُ.
وَكَانَ الْعُمَّالُ عَلَى الْبِلَادِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ غَيْرَ مَكَّةَ، فَإِنَّ خَالِدًا كَانَ عَامِلَهَا، وَقِيلَ: إِنَّ عَامِلَهَا هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute