وَنَكَحَهَا سُلَيْمَانُ وَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا وَرَدَّهَا إِلَى مُلْكِهَا بِالْيَمَنِ، فَكَانَ يَزُورُهَا كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً يُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَنْكِحَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهَا فَامْتَنَعَتْ وَأَنِفَتْ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا ذَلِكَ. فَقَالَتْ: إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فَزَوِّجْنِي ذَا تُبَّعٍ مَلِكَ هَمْدَانَ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى الْيَمَنِ، وَسَلَّطَ زَوْجَهَا ذَا تُبَّعٍ عَلَى الْمُلْكِ، وَأَمَرَ الْجِنَّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ بِطَاعَتِهِ، فَاسْتَعْمَلَهُمْ ذُو تُبَّعٍ، فَعَمِلُوا لَهُ عِدَّةَ حُصُونٍ بِالْيَمَنِ، مِنْهَا سَلَحِينُ، وَمَرَاوِحُ، وَفِلْيُونُ، وَهُنَيْدَةُ، وَغَيْرُهَا، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ لَمْ يُطِيعُوا ذَا تُبَّعٍ وَانْقَضَى مُلْكُ ذِي تُبَّعٍ، وَمُلْكُ بِلْقِيسَ مَعَ مُلْكِ سُلَيْمَانَ.
وَقِيلَ: إِنَّ بِلْقِيسَ مَاتَتْ قَبْلَ سُلَيْمَانَ بِالشَّامِ وَإِنَّهُ دَفَنَهَا بِتَدْمُرَ، وَأَخْفَى قَبْرَهَا.
ذِكْرُ غَزْوَتِهِ أَبَا زَوْجَتِهِ جَرَادَةَ وَنِكَاحِهَا، وَعِبَادَةِ الصَّنَمِ فِي دَارِهِ، وَأَخْذِ خَاتَمِهِ، وَعَوْدِهِ إِلَيْهِ
قِيلَ: سَمِعَ سُلَيْمَانُ بِمَلِكٍ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ وَشِدَّةِ مُلْكِهِ، وَعِظَمِ شَأْنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ إِلَيْهِ سَبِيلٌ، فَخَرَجَ سُلَيْمَانُ إِلَى تِلْكَ الْجَزِيرَةِ وَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى نَزَلَ بِجُنُودِهِ بِهَا فَقَتَلَ مَلِكَهَا وَغَنِمَ مَا فِيهَا وَغَنِمَ بِنْتًا لِلْمَلِكِ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهَا حُسْنًا وَجَمَالًا فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ وَدَعَاهَا لِلْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَتْ عَلَى قِلَّةِ رَغْبَةٍ فِيهِ، وَأَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا، وَكَانَتْ لَا يَذْهَبُ حُزْنُهَا وَلَا تَزَالُ تَبْكِي، فَقَالَ لَهَا: وَيْحَكِ مَا هَذَا الْحُزْنُ، وَالدَّمْعُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ؟ قَالَتْ: إِنِّي أَذْكُرُ أَبِي وَمُلْكَهُ وَمَا أَصَابَهُ فَيُحْزِنُنِي ذَلِكَ. قَالَ: فَقَدْ أَبْدَلَكِ اللَّهُ مُلْكًا خَيْرًا مِنْ مُلْكِهِ وَهَدَاكِ إِلَى الْإِسْلَامِ. قَالَتْ: إِنَّهُ كَذَلِكَ وَلَكِنِّي إِذَا ذَكَرْتُهُ أَصَابَنِي مَا تَرَى، فَلَوْ أَمَرْتَ الشَّيَاطِينَ فَصَوَّرُوا صُورَتَهُ فِي دَارِي أَرَاهَا بِكُرَةً وَعَشِيَّةً لَرَجَوْتُ أَنْ يُذْهِبَ ذَلِكَ حُزْنِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute