فَاقْتَتَلُوا، وَهَجَمَ أَصْحَابُ يَزِيدَ الَّذِينَ سَارُوا عَلَى عَسْكَرِ التُّرْكِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَهُمْ آمَنُونَ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَيَزِيدُ يُقَاتِلُهُمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَانْقَطَعُوا جَمِيعًا إِلَى حِصْنِهِمْ، وَرَكِبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَنَزَلُوا عَلَى حَكَمِ يَزِيدَ، فَسَبَى ذَرَارِيَهُمْ وَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَصَلَبَهُمْ فَرْسَخَيْنِ إِلَى يَمِينِ الطَّرِيقِ وَيَسَارِهِ، وَقَادَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا إِلَى وَادِي جُرْجَانَ وَقَالَ: مَنْ طَلَبَهُمْ بِثَأْرٍ فَلْيُقْتَلْ. فَكَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُ الْأَرْبَعَةَ وَالْخَمْسَةَ، وَأَجْرَى الْمَاءَ عَلَى الدَّمِ وَعَلَيْهِ أَرْحَاءٌ لِيَطْحَنَ بِدِمَائِهِمْ لِيُبِرَّ يَمِينَهُ، فَطَحَنَ وَخَبَزَ وَأَكَلَ، وَقِيلَ: قَتَلَ مِنْهُمْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا.
وَبَنَى مَدِينَةَ جُرْجَانَ، وَلَمْ تَكُنْ بُنِيَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مَدِينَةً، وَرَجَعَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى جُرْجَانَ جَهْمَ بْنَ زَحْرٍ الْجَعْفِيَّ، وَقِيلَ: بَلْ قَالَ يَزِيدُ لِأَصْحَابِهِ لَمَّا سَارُوا: إِذَا وَصَلْتُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ انْتَظِرُوا، فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ كَبِّرُوا وَاقْصُدُوا الْبَابَ، فَسَتَجِدُونِي قَدْ نَهَضْتُ بِالنَّاسِ إِلَيْهِ. فَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ زَحْرٍ الْمَدِينَةَ أَمْهَلَ حَتَّى كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي أَمَرَهُ يَزِيدُ أَنْ يَنْهَضَ فِيهَا، فَكَبَّرَ، فَفَزِعَ أَهْلُ الْحِصْنِ، وَكَانَ أَصْحَابُ يَزِيدَ لَا يَلْقَوْنَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلُوهُ، وَدَهِشَ التُّرْكُ، فَبَقُوا لَا يَدْرُونَ أَيْنَ يَتَوَجَّهُونَ، وَسَمِعَ يَزِيدُ التَّكْبِيرَ، فَسَارَ فِي النَّاسِ إِلَى الْبَابِ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ أَحَدًا يَمْنَعُهُ وَهُمْ مَشْغُولُونَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَدَخَلَ الْحِصْنَ مِنْ سَاعَتِهِ وَأَخْرَجَ مَنْ فِيهِ وَصَلَبَهُمْ فَرْسَخَيْنِ مِنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَيَسَارِهِ، فَصَلَبَهُمْ أَرْبَعَةَ فَرَاسِخَ، وَسَبَى أَهْلَهَا وَغَنِمَ مَا فِيهَا، وَكَتَبَ إِلَى سُلَيْمَانَ بِالْفَتْحِ يُعَظِّمُهُ وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ عِنْدَهُ مِنَ الْخُمُسِ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ، فَقَالَ لَهُ كَاتِبُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ مَوْلَى بَنِي سَدُوسٍ: لَا تَكْتُبْ تَسْمِيَةَ الْمَالِ، فَإِنَّكَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِمَّا اسْتَكْثَرَهُ فَأَمَرَكَ بِحَمْلِهِ، وَإِمَّا سَمَحَتْ نَفْسُهُ لَكَ بِهِ فَأَعْطَاكَهُ، فَتُكَلَّفُ الْهَدِيَّةَ، فَلَا يَأْتِيهِ مِنْ قَبِلَكِ شَيْءٌ إِلَّا اسْتَقَلَّهُ، فَكَأَنِّي بِكَ قَدِ اسْتَغْرَقْتَ مَا سَمَّيْتَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ مَوْقِعًا، وَيَبْقَى الْمَالُ الَّذِي سَمَّيْتَ مُخَلَّدًا فِي دَوَاوِينِهِمْ، فَإِنْ وَلِيَ وَالٍ بَعْدَهُ أَخَذَكَ بِهِ، وَإِنْ وَلِيَ مَنْ يَتَحَامَلُ عَلَيْكَ لَمْ يَرْضَ بِأَضْعَافِهِ، وَلَكِنِ اكْتُبْ فَسَلْهُ الْقُدُومَ، وَشَافِهْهُ بِمَا أَحْبَبْتَ فَهُوَ أَسْلَمُ. فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَأَمْضَى الْكِتَابَ، وَقِيلَ: كَانَ الْمَبْلَغُ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ وَلِيُّ عَهْدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute