مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَاعِيًا وَلَمْ يَبْعَثْهُ خَاتِنًا، وَقَالَ: إِيتُونِي رَجُلًا صَدُوقًا أَسْأَلُهُ عَنْ خُرَاسَانَ. فَقِيلَ لَهُ: عَلَيْكَ بِأَبِي مِجْلَزٍ. فَكَتَبَ إِلَى الْجَرَّاحِ: أَنْ أَقْبِلْ وَاحْمِلْ أَبَا مِجْلَزٍ، وَخَلِّفْ عَلَى حَرْبِ خُرَاسَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ نُعَيْمٍ الْعَامِرِيَّ. فَخَطَبَ الْجَرَّاحُ وَقَالَ: يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ جِئْتُكُمْ فِي ثِيَابِي هَذِهِ الَّتِي عَلَيَّ وَعَلَى فَرَسِي، لَمْ أُصِبْ مِنْ مَالِكُمْ إِلَّا حِلْيَةَ سَيْفِي. وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا فَرَسٌ وَبَغْلَةٌ. فَسَارَ عَنْهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ قَالَ: مَتَى خَرَجْتَ؟ قَالَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. قَالَ: صَدَقَ مَنْ وَصَفَكَ بِالْجَفَاءِ، هَلَّا أَقَمْتَ حَتَّى تُفْطِرَ ثُمَّ تَخْرُجَ!
وَكَانَ الْجَرَّاحُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ: إِنِّي قَدِمْتُ خُرَاسَانَ، فَوَجَدْتُ قَوْمًا قَدْ أَبْطَرَتْهُمُ الْفِتْنَةُ، فَأَحَبُّ الْأُمُورِ إِلَيْهِمْ أَنْ يَعُودُوا لِيَمْنَعُوا حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَلَيْسَ يَكْفِهِمْ إِلَّا السَّيْفُ وَالسَّوْطُ، فَكَرِهْتُ الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنِكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: يَا ابْنَ أُمِّ الْجَرَّاحِ، أَنْتَ أَحْرَصُ عَلَى الْفِتْنَةِ مِنْهُمْ، لَا تَضْرِبَنَّ مُؤْمِنًا وَلَا مُعَاهِدًا سَوْطًا إِلَّا فِي الْحَقِّ، وَاحْذَرِ الْقِصَاصَ، فَإِنَّكَ صَائِرٌ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَتَقْرَأُ كِتَابًا: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: ٤٩] .
فَلَمَّا قَدِمَ الْجَرَّاحُ عَلَى عُمَرَ، وَقَدِمَ أَبُو مِجْلَزٍ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَخْبِرْنِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: يُكَافِي الْأَكْفَاءَ، وَيُعَادِي الْأَعْدَاءَ، وَهُوَ أَمِيرٌ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيُقْدِمُ إِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَاعِدُهُ. قَالَ: فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نُعَيْمٍ؟ قَالَ: يُحِبُّ الْعَافِيَةَ وَالتَّأَنِّي، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ. فَوَلَّاهُ الصَّلَاةَ وَالْحَرْبَ، وَوَلَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْقُشَيْرِيَّ الْخَرَاجَ، وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ: إِنِّي اسْتَعْمَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى حَرْبِكُمْ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ [بْنَ عَبْدِ اللَّهِ] عَلَى خَرَاجِكُمْ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمَا يَأْمُرُهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ.
فَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نُعَيْمٍ عَلَى خُرَاسَانَ حَتَّى مَاتَ عُمَرُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، وَوَجَّهَ مَسْلَمَةُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَارِثَ بْنَ الْحَكَمِ، فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ.
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَجَّهَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الدُّعَاةَ فِي الْآفَاقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute