وَأَضْرِبُ هَامَةَ الْجَبَّارِ مِنْهُمْ
بِعَضْبِ الْحَدِّ حُودِثَ بِالصِّقَالِ ... فَمَا أَنَا فِي الْحُرُوبِ بِمُسْتَكِينٍ
وَلَا أَخْشَى مُصَاوَلَةَ الرِّجَالِ ... أَبَى لِي وَالِدِي مِنْ كُلِّ ذَمٍّ
وَخَالِي فِي الْحَوَادِثِ خَيْرُ خَالِ
فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ الصُّغْدِ بِقُدُومِ الْحَرَشِيِّ خَافُوا عَلَى نُفُوسِهِمْ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَعَانُوا التُّرْكَ أَيَّامَ خُذَيْنَةَ، فَاجْتَمَعَ عُظَمَاؤُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ مَلِكُهُمْ: لَا تَفْعَلُوا، أَقِيمُوا وَاحْمِلُوا الْخَرَاجَ مَا مَضَى، وَاضْمَنُوا لَهُ خَرَاجَ مَا يَأْتِي وَعِمَارَةَ الْأَرْضِ، وَالْغَزْوَ مَعَهُ إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ، وَاعْتَذِرُوا مِمَّا كَانَ مِنْكُمْ وَأَعْطُوهُ رَهَائِنَ. قَالُوا: نَخَافُ أَنْ لَا يَرْضَى وَلَا يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنَّا، وَلَكِنَّا نَأْتِي خُجَنْدَةَ فَنَسْتَجِيرُ مَلِكَهَا، وَنُرْسِلُ إِلَى الْأَمِيرِ، فَنَسْأَلُهُ الصَّفْحَ عَمَّا كَانَ مِنَّا، وَنُوَثِّقُ [لَهُ] أَنَّهُ لَا يَرَى [مِنَّا] أَمْرًا يَكْرَهُهُ. فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ، وَالَّذِي أَشَرْتُ بِهِ عَلَيْكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ.
فَأَبَوْا وَخَرَجُوا إِلَى خُجَنْدَةَ، وَأَرْسَلُوا إِلَى مَلِكِ فَرْغَانَةَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ وَيُنْزِلَهُمْ مَدِينَتَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ فَقَالَتْ أُمُّهُ: لَا يَدْخُلْ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينُ مَدِينَتَكَ، وَلَكِنْ فَرِّغْ لَهُمْ رُسْتَاقًا يَكُونُونَ فِيهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: سَمُّوا رُسْتَاقًا تَكُونُونَ فِيهِ حَتَّى أُفَرِّغَهُ لَكُمْ، وَأَجِّلُونِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ عِشْرِينَ يَوْمًا. فَاخْتَارُوا شِعْبَ عِصَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيِّ، وَكَانَ قُتَيْبَةُ قَدْ خَلَّفَهُ فِيهِمْ، فَقَالَ: نَعَمْ، وَلَيْسَ [لَكُمْ] عَلَيَّ عَقْدٌ وَجِوَارٌ حَتَّى تَدْخُلُوهُ، وَإِنْ أَتَتْكُمْ [الْعَرَبُ] قَبْلَ أَنْ تَدْخُلُوهُ لَمْ أَمْنَعْكُمْ. فَرَضُوا، فَفَرَّغَ لَهُمُ الشِّعْبَ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَغَارَتِ التُّرْكُ عَلَى اللَّانِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute