أَلْفًا وَأَسَرَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَغَنِمَ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُحْصَى، وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَ مِنْ أَهْلِ أَفْرَاسِيَابَ وَطَرَاخِنَتِهِ، فَعَظُمَ جَوْدَرْزُ عِنْدَهُ، وَشَكَرَهُ، وَقَطَعَهُ أَصْبَهَانَ، وَجُرْجَانَ، وَوَرَدَتْ عَلَيْهِ الْكُتُبُ الْوَارِدَةُ مِنْ عَسَاكِرِهِ الدَّاخِلَةِ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ إِلَى التُّرْكِ بِمَا قَتَلُوا وَغَنِمُوا، وَأَخْرَبُوا وَأَنَّهُمْ هَزَمُوا لِأَفْرَاسِيَابَ عَسْكَرًا بَعْدَ عَسْكَرٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَجِدُّوا فِي مُحَارَبَتِهِمْ وَيُوَافُوهُ بِمَوْضِعٍ سَمَّاهُ لَهُمْ.
فَلَمَّا بَلَغَ أَفْرَاسِيَابَ قَتْلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ طَرَاخِنَتِهِ، وَأَهْلِهِ، وَعَسَاكِرِهِ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَسُقِطَ فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ عِنْدَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ غَيْرُ وَلَدِهِ شِيدَهْ، فَوَجَّهَهُ فِي جَيْشٍ نَحْوَ كَيْخِسْرُو، فَسَارَ إِلَيْهِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ انْهَزَمَتِ التُّرْكُ وَتَبِعَهُمُ الْفُرْسُ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَ، وَأَدْرَكُوا ابْنَ أَفْرَاسِيَابَ فَقَتَلُوهُ، وَسَمِعَ أَفْرَاسِيَابُ بِالْحَادِثَةِ وَقَتْلِ ابْنِهِ، فَأَقْبَلَ فَيَمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ فَلَقِيَ كَيْخِسْرُو فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ فَانْهَزَمَ أَفْرَاسِيَابُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي التُّرْكِ فَقُتِلَ مِنْهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ، وَجَدَّ كَيْخِسْرُو فِي طَلَبِ أَفْرَاسِيَابَ، وَلَمْ يَزَلْ يَهْرُبُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى بَلَغَ أَذْرَبِيجَانَ فَاسْتَتَرَ، وَظُفِرَ بِهِ وَأُتِيَ بِهِ إِلَى كَيْخِسْرُو، فَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَهُ سَأَلَهُ عَنْ غَدْرِهِ بِأَبِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ وَلَا عُذْرٌ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَذُبِحَ كَمَا ذَبَحَ سِيَاوَخْشَ، ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ مُظَفَّرًا مَنْصُورًا فَرِحًا.
فَلَمَّا قُتِلَ أَفْرَاسِيَابُ مَلَكَ التُّرْكَ بَعْدَهُ أَخُوهُ كَيْ سَوَاسِفُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ جَرَازَسْفُ، وَكَانَ جَبَّارًا عَاتِيًا
فَلَمَّا فَرَغَ كَيْخِسْرُو مِنَ الْأَخْذِ بِثَأْرِ أَبِيهِ وَاسْتَقَرَّ فِي مُلْكِهِ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا وَتَرَكَ الْمُلْكَ، وَتَنَسَّكَ، وَاجْتَهَدَ أَهْلُهُ، وَأَصْحَابُهُ بِهِ لِيُلَازِمَ الْمُلْكَ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَالُوا: فَاعْهَدْ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِالْمُلْكِ بَعْدَكَ فَعَهِدَ إِلَى لَهْرَاسِبَ، وَفَارَقَهُمْ كَيْخِسْرُو وَغَابَ عَنْهُمْ، فَلَا يُدْرَى مَا كَانَ مِنْهُ وَلَا أَيْنَ مَاتَ. وَبَعْضٌ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَكَانَ مُلْكُهُ سِتِّينَ سَنَةً، وَمَلَكَ بَعْدَهُ لَهْرَاسِبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute