وَخَطَبَ يَوْمًا أَسَدٌ، فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَذِهِ الْوُجُوهَ، وُجُوهَ أَهْلِ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَالشَّغْبِ وَالْفَسَادِ! اللَّهُمَّ فَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، وَأَخْرِجْنِي إِلَى مُهَاجَرِي وَوَطَنِي.
فَبَلَغَ فِعْلُهُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ: اعْزِلْ أَخَاكَ، فَعَزَلَهُ، فَرَجَعَ إِلَى الْعِرَاقِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَةٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى خُرَاسَانَ الْحَكَمَ بْنَ عَوَانَةَ الْكَلْبِيَّ، فَأَقَامَ الْحَكَمُ صَيْفِيَّةً فَلَمْ يَغْزُ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ هِشَامٌ أَشْرَسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيَّ عَلَى خُرَاسَانَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَاتِبَ خَالِدًا. وَكَانَ أَشْرَسُ فَاضِلًا خَيِّرًا، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ الْكَامِلَ لِفَضْلِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ خُرَاسَانَ فَرِحُوا بِهِ، وَاسْتَقْضَى أَبَا الْمُنَازِلِ الْكِنْدِيَّ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَاسْتَقْضَى مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدٍ.
ذِكْرُ دُعَاةِ بَنِي الْعَبَّاسِ
قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ خُرَاسَانَ مِنْ دُعَاةِ بَنِي الْعَبَّاسِ زِيَادٌ أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى هَمْدَانَ فِي وِلَايَةِ أَسَدٍ، بَعَثَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ لَهُ: انْزِلْ فِي الْيَمَنِ وَأَلْطُفْ مُضَرَ، وَنَهَاهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ نَيْسَابُورَ، يُقَالُ لَهُ: غَالِبٌ لِأَنَّهُ كَانَ مُفْرِطًا فِي حُبِّ بَنِي فَاطِمَةَ، وَيُقَالُ: أَوَّلُ مَنْ أَتَى خُرَاسَانَ بِكِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ حَرْبُ بْنُ عُثْمَانَ مَوْلَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ، فَلَمَّا قَدِمَ زِيَادٌ دَعَا إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ، وَذَكَرَ سِيرَةَ بَنِي أُمَيَّةَ وَظُلْمَهُمْ، وَأَطْعَمَ النَّاسَ الطَّعَامَ، وَقَدِمَ عَلَيْهِ غَالِبٌ، وَتَنَاظَرَا فِي تَفْضِيلِ آلِ عَلِيٍّ وَآلِ الْعَبَّاسِ، وَافْتَرَقَا، وَأَقَامَ زِيَادٌ بِمُرْوٍ شَتْوَةً وَ [كَانَ] يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهَا يَحْيَى بْنُ عُقَيْلٍ الْخُزَاعِيُّ، وَغَيْرُهُ.
فَأُخْبِرَ بِهِ أَسَدٌ، فَدَعَاهُ، وَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ؟ قَالَ: الْبَاطِلُ، إِنَّمَا قَدِمْتُ إِلَى تِجَارَةٍ وَقَدْ فَرَّقْتُ مَالِي عَلَى النَّاسِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ خَرَجْتُ. فَقَالَ لَهُ أَسَدٌ: اخْرُجْ عَنْ بِلَادِي. فَانْصَرَفَ، فَعَادَ إِلَى أَمْرِهِ، فَرُفِعَ أَمَرُهُ إِلَى أَسَدٍ، وَخُوِّفَ مِنْ جَانِبِهِ، فَأَحْضَرَهُ، وَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ مَعَهُ عَشَرَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا غُلَامَانِ اسْتَصْغَرَهُمَا، وَقِيلَ: بَلْ أَمَرَ بِزِيَادٍ أَنْ يُوَسَّطَ بِالسَّيْفِ، فَضَرَبُوهُ بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ، فَكَبَّرَ النَّاسُ، فَقَالَ أَسَدٌ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: نَبَا السَّيْفُ عَنْهُ، ثُمَّ ضُرِبَ أُخْرَى فَنَبَا السَّيْفُ عَنْهُ، ثُمَّ ضَرَبَهُ الثَّالِثَةَ فَقَطَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute