فَسَارَ وَعَبْدَ اللَّهِ عَلَى السَّاقَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالنُّزُولِ فَنَزَلَ، وَاسْتَقَى النَّاسُ وَبَاتُوا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ارْتَحَلُوا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنِّي أَتَوَقَّعُ أَنَّ خَاقَانَ يَصْدِمُ السَّاقَةَ الْيَوْمَ فَشَدُّوهَا بِالرِّجَالِ، فَقَوَّاهُمُ الْجُنَيْدُ، وَجَاءَتِ التُّرْكُ فَمَالَتْ عَلَى السَّاقَةِ فَاقْتَتَلُوا، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ وَقَتَلَ مُسْلِمُ بْنُ أَحْوَزَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءَ التُّرْكِ، فَتَطَيَّرُوا مِنْ ذَلِكَ وَانْصَرَفُوا مِنَ الطَّوَاوِيسِ. وَسَارَ الْمُسْلِمُونَ فَدَخَلُوا بُخَارَى يَوْمَ الْمِهْرَجَانِ، فَتَلَقَّوْهُمْ بِالدَّرَاهِمِ الْبُخَارِيَّةِ، فَأَعْطَاهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً.
قَالَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَالِدٍ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَ النَّاسُ عَنِّي بِرَأْيِي يَوْمَ الشِّعْبِ.
وَكَانَ الْجُنَيْدُ يَذْكُرُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَيَقُولُ: زُبْدَةٌ مِنَ الزُّبْدِ، صُنْبُورٌ مِنْ صُنْبُورٍ، قُلٌّ مَنْ قُلٍّ، هَيْفَةٌ مِنَ الْهِيفِ. وَالْهَيْفَةُ: الضَّبُعُ، وَالْقُلُّ: الْفَرْدُ، وَالصُّنْبُورُ: الَّذِي لَا أَخَ لَهُ، (وَقِيلَ الْمُلْصَقُ) .
وَقَدِمَتِ الْجُنُودُ مِنَ الْكُوفَةِ عَلَى الْجُنَيْدِ، فَسَرَّحَ مَعَهُمْ حَوْثَرَةَ بْنَ زَيْدٍ الْعَنْبَرِيَّ فِيمَنِ انْتَدَبَ مَعَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ وَقْعَةَ الشِّعْبِ كَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَقَالَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ يَذْكُرُ يَوْمَ الشِّعْبِ:
إِنِّي نَشَأْتُ وَحُسَّادِي ذَوُو عَدَدٍ ... يَا ذَا الْمَعَارِجِ لَا تُنْقِصْ لَهُمْ عَدَدًا
إِنْ تَحْسُدُونِي عَلَى مِثْلِ الْبَلَاءِ لَكُمْ ... يَوْمًا فَمِثْلُ بَلَائِي جَرَّ لِي الْحَسَدَا
يَأْبَى الْإِلَهُ الَّذِي أَعْلَى بِقُدْرَتِهِ كَعْبِي ... عَلَيْكُمْ وَأَعْطَى فَوْقَكُمْ عَدَدًا
أَرْمِي الْعُدَاةَ بِأَفْرَاسٍ مُكَلَّمَةٍ ... حَتَّى اتَّخَذْنَ عَلَى حُسَّادِهِنَّ يَدَا
مَنْ ذَا الَّذِي مِنْكُمْ فِي الشِّعْبِ إِذْ وَرَدُوا ... لَمْ يَتَّخِذْ حَوْمَةَ الْأَثْقَالِ مُعْتَمَدًا
هَلَّا شَهِدْتُمْ دِفَاعِي عَنْ جُنَيْدِكُمُ ... وَقْعَ الْقَنَا وَشِهَابُ الْحَرْبِ قَدْ وُقِدَا
وَقَالَ ابْنُ عُرْسٍ يَمْدَحُ نَصْرًا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute