الْإِسْرَائِيلِيُّ: بَلَى تَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ تَكْتُبُ لِي كِتَابًا إِنْ مَلَكْتَ أَطْلَقْتَنِي. فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا أَمْرٌ لَا مَحَالَةَ كَائِنٌ.
ثُمَّ إِنَّ مَلِكَ الْفُرْسِ أَحَبَّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى أَحْوَالِ الشَّامِ، فَأَرْسَلَ إِنْسَانًا يَثِقُ بِهِ لِيَتَعَرَّفَ لَهُ أَخْبَارَ وَحَالَ مَنْ فِيهِ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ بُخْتُنَصَّرُ فَقِيرٌ لَمْ يَخْرُجْ إِلَّا لِلْخِدْمَةِ. فَلَمَّا قَدِمَ الشَّامَ رَأَى أَكْبَرَ بِلَادِ اللَّهِ خَيْلًا، وَرِجَالًا، وَسِلَاحًا، فَفَتَّ ذَلِكَ فِي ذَرْعِهِ، فَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ شَيْءٍ، وَجَعَلَ بُخْتُنَصَّرُ يَجْلِسُ مَجَالِسَ أَهْلِ الشَّامِ فَيَقُولُ لَهُمْ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَغْزُوا بَابِلَ، فَلَوْ غَزَوْتُمُوهَا مَا دُونَ بَيْتِ مَالِهَا شَيْءٌ! فَكُلُّهُمْ يَقُولُ لَهُ: لَا نُحْسِنُ الْقِتَالَ، وَلَا نَرَاهُ فَلَمَّا عَادُوا أَخْبَرَ الطَّلِيعَةُ بِمَا رَأَوْا مِنَ الرِّجَالِ وَالسِّلَاحِ وَالْخَيْلِ، وَأَرْسَلَ بُخْتُنَصَّرُ إِلَى الْمَلِكِ يَطْلُبُ إِلَيْهِ أَنْ يُحْضِرَهُ لِيُعَرِّفَهُ جَلِيَّةَ الْحَالِ، فَأَحْضَرَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ جَمِيعُهُ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ عَسْكَرًا إِلَى الشَّامِ أَرْبَعَةَ آلَافِ رَاكِبِ جَرِيدَةً، وَاسْتَشَارَ فِيمَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ، فَأَشَارُوا بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: لَا بَلْ بُخْتُنَصَّرُ، فَجَعَلَهُ عَلَيْهِمْ. فَسَارُوا فَغَنِمُوا وَأَوْقَعُوا بِبَعْضِ الْبِلَادِ وَعَادُوا سَالِمِينَ.
ثُمَّ إِنَّ لَهْرَاسِبَ اسْتَعْمَلَهُ إِصْبَهْبَذًا عَلَى مَا بَيْنَ الْأَهْوَازِ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ مِنْ غَرْبِيِّ دِجْلَةَ، وَكَانَ السَّبَبُ فِي مَسِيرِهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ لَهْرَاسِبُ كَمَا ذَكَرْنَا سَارَ إِلَى الشَّامِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ دِمَشْقَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَعَادَ عَنْهُمْ وَأَخَذَ رَهَائِنَهُمْ، فَلَمَّا عَادَ مِنَ الْقُدْسِ إِلَى طَبَرِيَّةَ وَثَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مَلِكِهِمُ الَّذِي صَالَحَ بُخْتُنَصَّرَ فَقَتَلُوهُ، وَقَالُوا: دَاهَنْتَ أَهْلَ بَابِلَ وَخَذَلْتَنَا، فَلَمَّا سَمِعَ بُخْتُنَصَّرُ بِذَلِكَ قَتَلَ الرَّهَائِنَ الَّذِينَ مَعَهُ وَعَادَ إِلَى الْقُدْسِ فَأَخْرَبَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ إِنَّمَا كَانَ الْمَلِكَ بَهْمَنَ بْنَ بَشْتَاسِبَ بْنِ لَهْرَاسِبَ، وَكَانَ بُخْتُنَصَّرُ قَدْ خَدَمَ جَدَّهُ، وَأَبَاهُ، وَخَدَمَهُ، وَعُمِّرَ عُمُرًا طَوِيلًا. فَأَرْسَلَ بَهْمَنُ رُسُلًا إِلَى مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَتَلَهُمُ الْإِسْرَائِيلِيُّ، فَغَضِبَ بَهْمَنُ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَعْمَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute