فَقَلَّ الْوَحْيُ حَيْثُ لَمْ يَكُونُوا هُمْ يَتَذَكَّرُونَ. فَقَالَ لَهُمْ مَلِكُهُمْ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، انْتَهُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ عَذَابُ اللَّهِ! فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَأَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ بُخْتُنَصَّرَ أَنْ يَسِيرَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَسَارَ فِي الْعَسَاكِرِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَمْلَأُ الْفَضَاءَ.
وَبَلَغَ مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْخَبَرُ، فَاسْتَدْعَى إِرْمِيَا النَّبِيَّ، فَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَهُ قَالَ لَهُ: يَا إِرْمِيَا، أَيْنَ مَا زَعَمَتْ أَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى إِلَيْكَ أَنْ لَا يُهْلِكَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ حَتَّى يَكُونَ الْأَمْرُ مِنْكَ؟ فَقَالَ إِرْمِيَا: إِنَّ رَبِّي لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَأَنَا بِهِ وَاثِقٌ.
فَلَمَّا قَرُبَ الْأَجَلُ وَدَنَا انْقِطَاعُ مُلْكِهِمْ، وَأَرَادَ اللَّهُ إِهْلَاكَهُمْ أَرْسَلَ اللَّهُ مَلَكًا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ إِلَى إِرْمِيَا، وَقَالَ لَهُ: اسْتَفْتِهِ، فَأَتَاهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا إِرْمِيَا، أَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَسْتَفْتِيكَ فِي ذَوِي رَحِمِي، وَصَلْتُ أَرْحَامَهُمْ بِمَا أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ وَأَتَيْتُ لَهُمْ حَسَنًا، وَكَرَامَةً فَلَا تَزِيدُهُمْ كَرَامَتِي إِيَّاهُمْ إِلَّا سُخْطًا لِي وَسُوءَ سِيرَةٍ مَعِي فَأَفْتِنِي فِيهِمْ. فَقَالَ لَهُ: أَحْسِنْ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ وَصِلْ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ أَنْ تَصِلَهُ. فَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمَلَكُ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَيَّامٍ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، فَقَالَ لَهُ إِرْمِيَا: أَمَا طَهُرَتْ أَخْلَاقُهُمْ وَمَا رَأَيْتَ مِنْهُمْ مَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْلَمُ كَرَامَةً يَأْتِيهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى ذَوِي رَحِمِهِ إِلَّا وَقَدْ أَتَيْتُهَا إِلَيْهِمْ، وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا سُوءَ سِيرَةٍ. فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، وَأَحْسِنْ إِلَيْهِمْ. فَقَامَ الْمَلَكُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَبِثَ أَيَّامًا، وَنَزَلَ بُخْتُنَصَّرُ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِأَكْثَرَ مِنَ الْجَرَادِ، فَفَزِعَ مِنْهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ مَلِكُهُمْ لِإِرْمِيَا: أَيْنَ مَا وَعَدَكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي بِرَبِّي وَاثِقٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَلَكَ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ يَسْتَفْتِي إِرْمِيَا عَادَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى جِدَارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَشَكَا أَهْلَهُ وَجَوْرَهُمْ وَقَالَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كُلُّ شَيْءٍ كُنْتُ أَصْبِرُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْيَوْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ سُخْطِي، وَقَدْ رَأَيْتُهُمُ الْيَوْمَ عَلَى عَمَلٍ عَظِيمٍ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ كَانُوا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ الْيَوْمَ لَمْ يَشْتَدَّ عَلَيْهِ غَضَبِي، وَإِنَّمَا غَضِبْتُ الْيَوْمَ لِلَّهِ وَأَتَيْتُكَ لِأُخْبِرَكَ خَبَرَهُمْ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِلَّا مَا دَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَهْلِكُوا. فَقَالَ إِرْمِيَا: يَا مَلِكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ وَصَوَابٍ فَأَبْقِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى سُخْطِكَ وَعَمَلٍ لَا تَرْضَاهُ فَأَهْلِكْهُمْ. فَلَمَّا خَرَجَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ فِيهِ أَرْسَلَ اللَّهُ صَاعِقَةً مِنَ السَّمَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالْتَهَبَ مَكَانُ الْقُرْبَانِ وَخُسِفَ بِسَبْعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ إِرْمِيَا صَاحَ وَشَقَّ ثِيَابَهُ وَنَبَذَ الرَّمَادَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: يَا مَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute