للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُخَالِفْكَ أَحَدٌ، وَإِنْ أَبَى كَانَ النَّاسُ لَهُ أَطْوَعَ، فَإِنْ أَبَيْتَ إِلَّا الْمُضِيَّ عَلَى رَأْيِكَ فَأَظْهِرْ أَنَّ أَخَاكَ الْعَبَّاسَ قَدْ بَايَعَكَ. وَكَانَ الشَّامُ وَبِيًّا، فَخَرَجُوا إِلَى الْبَوَادِي، وَكَانَ الْعَبَّاسُ بِالْقَسْطَلِ وَيَزِيدُ بِالْبَادِيَةِ أَيْضًا بَيْنَهُمَا أَمْيَالٌ يَسِيرَةٌ، فَأَتَى يَزِيدُ أَخَاهُ الْعَبَّاسَ فَاسْتَشَارَهُ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَرَجَعَ وَبَايَعَ النَّاسَ سِرًّا وَبَثَّ دُعَاتَهُ، فَدَعَوُا النَّاسَ، ثُمَّ عَاوَدَ أَخَاهُ الْعَبَّاسَ فَاسْتَشَارَهُ وَدَعَاهُ إِلَى نَفْسِهِ، فَزَبَرَهُ وَقَالَ: إِنْ عُدْتَ لِمِثْلِ هَذَا لَأَشُدَّنَّكَ وَثَاقًا وَأَحْمِلَنَّكَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ أَشْأَمَ مَوْلُودٍ فِي بَنِي مَرْوَانَ.

وَبَلَغَ الْخَبَرُ مَرْوَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ بِإِرْمِينِيَّةَ، فَكَتَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَنْهَى النَّاسَ، وَيَكُفَّهُمْ وَيُحَذِّرَهُمُ الْفِتْنَةَ، وَيُخَوِّفَهُمْ خُرُوجَ الْأَمْرِ عَنْهُمْ، فَأَعْظَمَ سَعِيدٌ ذَلِكَ وَبَعَثَ بِالْكِتَابِ إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَاسْتَدْعَى الْعَبَّاسُ يَزِيدَ وَتَهَدَّدَهُ، فَكَتَمَهُ يَزِيدُ أَمْرَهُ، فَصَدَّقَهُ، وَقَالَ الْعَبَّاسُ لِأَخِيهِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ: إِنِّي أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ فِي هَلَاكِكُمْ يَا بَنِي مَرْوَانَ، ثُمَّ تَمَثَّلَ:

إِنِّي أُعِيذُكُمْ بِاللَّهِ مِنْ فِتَنٍ ... مِثْلِ الْجِبَالِ تَسَامَى ثُمَّ تَنْدَفِعُ

إِنَّ الْبَرِيَّةَ قَدْ مَلَّتْ سِيَاسَتَكُمْ ... فَاسْتَمْسِكُوا بِعَمُودِ الدِّينِ وَارْتَدِعُوا

لَا تُلْحِمُنَّ ذِئَابَ النَّاسِ أَنْفُسَكُمْ ... إِنَّ الذِّئَابَ إِذَا مَا أُلْحِمَتْ رَتَعُوا

لَا تَبْقَرُنَّ بِأَيْدِيكُمْ بُطُونَكُمُ ... فَثَمَّ لَا حَسْرَةٌ تُغْنِي وَلَا جَزَعُ

فَلَمَّا اجْتَمَعَ لِيَزِيدَ أَمْرُهُ وَهُوَ مُتَبَدٍّ أَقْبَلَ إِلَى دِمَشْقَ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ دِمَشْقَ أَرْبَعُ لَيَالٍ، مُتَنَكِّرًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ عَلَى حَمِيرٍ، فَنَزَلُوا بِجَرُودَ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ دِمَشْقَ، ثُمَّ سَارَ فَدَخَلَ دِمَشْقَ وَقَدْ بَايَعَ لَهُ أَكْثَرُ أَهْلِهَا سِرًّا، وَبَايَعَ أَهْلُ الْمِزَّةِ، وَكَانَ عَلَى دِمَشْقَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَخَافَ الْوَبَاءَ فَخَرَجَ مِنْهَا فَنَزَلَ قَطَنَا وَاسْتَخْلَفَ ابْنَهُ عَلَى دِمَشْقَ، وَعَلَى شُرْطَتِهِ أَبُو الْعَاجِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، فَأَجْمَعَ يَزِيدُ عَلَى الظُّهُورِ، فَقِيلَ لِلْعَامِلِ: إِنَّ يَزِيدَ خَارِجٌ، فَلَمْ يُصَدِّقْ.

وَرَاسَلَ يَزِيدُ أَصْحَابَهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ، فَكَمَنُوا عِنْدَ بَابِ الْفَرَادِيسِ حَتَّى أُذِّنَ الْعِشَاءُ فَدَخَلُوا فَصَلُّوا، وَلِلْمَسْجِدِ حَرَسٌ قَدْ وُكِّلُوا بِإِخْرَاجِ النَّاسِ مِنْهُ بِاللَّيْلِ، فَلَمَّا صَلَّى النَّاسُ أَخْرَجَهُمُ الْحَرَسُ، وَتَبَاطَأَ أَصْحَابُ يَزِيدَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>