وَشُهُورًا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ اخْتَلَفَ النَّاسُ، فَالْمُضَرِيَّةُ أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ مِنْهُمْ، وَالْيَمَانِيَّةُ أَرَادَتْ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ مِنْهُمْ، فَبَقَوْا بِغَيْرِ أَمِيرٍ، فَخَافَ الصُّمَيْلُ الْفِتْنَةَ فَأَشَارَ بِأَنْ يَكُونَ الْوَالِي مِنْ قُرَيْشٍ، فَرَضُوا كُلُّهُمْ بِذَلِكَ، فَاخْتَارَ لَهُمْ يُوسُفَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيَّ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ بِإِلْبِيرَةَ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِ بِمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ تَأْمِيرِهِ، فَامْتَنَعَ. فَقَالُوا لَهُ: إِنْ لَمْ تَفْعَلْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، وَيَكُونُ إِثْمُ ذَلِكَ عَلَيْكَ. فَأَجَابَ حِينَئِذٍ وَسَارَ إِلَى قُرْطُبَةَ فَدَخَلَهَا وَأَطَاعَهُ النَّاسُ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَبِي الْخَطَّارِ مَوْتُ ثَوَابَةَ وَوِلَايَةُ يُوسُفَ قَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ الصُّمَيْلُ أَنْ يَصِيرَ الْأَمْرُ إِلَى مُضَرَ، وَسَعَى فِي النَّاسِ حَتَّى ثَارَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْيَمَنِ وَمُضَرَ.
فَلَمَّا رَأَى يُوسُفُ ذَلِكَ فَارَقَ قَصْرَ الْإِمَارَةِ بِقُرْطُبَةَ وَعَادَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَسَارَ أَبُو الْخَطَّارِ إِلَى شَقُنْدَةَ، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ الْيَمَانِيَّةُ، وَاجْتَمَعَتِ الْمُضَرِيَّةُ وَتَزَاحَفُوا وَاقْتَتَلُوا أَيَّامًا كَثِيرَةً (قِتَالًا لَمْ يَكُنْ بِالْأَنْدَلُسِ أَعْظَمُ مِنْهُ، ثُمَّ أَجْلَتِ الْحَرْبُ عَنْ هَزِيمَةِ الْيَمَانِيَّةِ) ، وَمَضَى أَبُو الْخَطَّارِ مُنْهَزِمًا فَاسْتَتَرَ فِي رَحًى كَانَتْ لِلصُّمَيْلِ، فَدُلَّ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ الصُّمَيْلُ وَقَتَلَهُ، وَرَجَعَ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى الْقَصْرِ، وَازْدَادَ الصُّمَيْلُ شَرَفًا، وَكَانَ اسْمُ الْإِمَارَةِ لِيُوسُفَ وَالْحُكْمُ إِلَى الصُّمَيْلِ.
ثُمَّ خَرَجَ عَلَى يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّخْمِيِّ بِمَدِينَةِ أَرْبُونَةَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى قُتِلَ وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى يُوسُفَ.
وَخَرَجَ عَلَيْهِ عُذْرَةُ الْمَعْرُوفُ بِالذِّمِّيِّ، فَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَعَانَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ يُوسُفُ عَامِرَ بْنَ عَمْرٍو، وَهُوَ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ مَقْبَرَةُ عَامِرٍ مِنْ (أَبْوَابِ قُرْطُبَةَ) ، فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ وَعَادَ مَفْلُولًا، فَسَارَ إِلَيْهِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَاتَلَهُ فَقَتَلَهُ وَاسْتَبَاحَ عَسْكَرَهُ.
وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَفِيهَا بَعْضُ الْخِلَافِ، وَسَنَذْكُرُهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ عِنْدَ دُخُولِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيِّ الْأَنْدَلُسَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute