للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرْبُ سَعَى النَّاسُ بَيْنَ بَشْتَاسِبَ وَابْنِهِ إِسْفِنْدِيَارَ، وَقَالُوا: يُرِيدُ الْمُلْكَ لِنَفْسِهِ، فَنَدَبَهُ لِحَرْبٍ بَعْدَ حَرْبٍ، ثُمَّ أَخَذَهُ وَحَبَسَهُ مُقَيَّدًا.

ثُمَّ إِنَّ بَشْتَاسِبَ سَارَ إِلَى نَاحِيَةِ كَرْمَانَ، وَسِجِسْتَانَ، وَسَارَ إِلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ طُمْبَدَرُ لِدِرَاسَةِ دِينِهِ، وَالتَّنَسُّكِ هُنَاكَ، وَخَلَّفَ أَبَاهُ لَهْرَاسِبَ بِبَلْخَ شَيْخًا قَدْ أَبْطَلَهُ الْكِبَرُ وَتَرَكَ بِهَا خَزَائِنَهُ، وَأَوْلَادَهُ، وَنِسَاءَهُ، فَبَلَغَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى مَلِكِ التُّرْكِ خُرْزَاسِفُ، فَلَمَّا تَحَقَّقَهَا جَمَعَ عَسَاكِرَهُ وَحَشَدَ وَسَارَ إِلَى بَلْخَ، وَانْتَهَزَ الْفُرْصَةَ بِغَيْبَةِ بَشْتَاسِبَ عَنْ مَمْلَكَتِهِ، وَلَمَّا بَلَغَ بَلْخَ مَلَكَهَا وَقَتَلَ لَهْرَاسِبَ وَوَلَدَيْنِ لِبَشْتَاسِبَ وَالْهَرَابِذَةَ، وَأَحْرَقَ الدَّوَاوِينَ وَهَدَمَ بُيُوتَ النِّيرَانِ، وَأَرْسَلَ السَّرَايَا إِلَى الْبِلَادِ، فَقَتَلُوا وَسَبَوْا وَأَخْرَبُوا، وَسَبَى ابْنَتَيْنِ لِبَشْتَاسِبَ إِحْدَاهُمَا خُمَانَى، وَأَخَذَ عَلَمَهُمُ الْأَكْبَرَ الْمَعْرُوفَ بِدِرَفْشَ كَابِيَانِ، وَسَارَ مُتَّبِعًا لِبَشْتَاسِبَ، وَهَرَبَ بَشْتَاسِبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَتَحَصَّنَ بِتِلْكَ الْجِبَالِ مِمَّا يَلِي فَارِسَ، وَضَاقَ ذَرْعًا بِمَا نَزَلَ بِهِ.

فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِهِ إِسْفِنْدِيَارَ مَعَ عَالِمِهِمْ جَامَاسِبَ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ مَحْبِسِهِ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ وَوَعَدَهُ أَنْ يَعْهَدَ إِلَيْهِ بِالْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ إِسْفِنْدِيَارُ كَلَامَهُ سَجَدَ لَهُ وَنَهَضَ مِنْ عِنْدِهِ وَجَمَعَ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْجُنْدِ وَبَاتَ لَيْلَتَهُ مَشْغُولًا بِالتَّجَهُّزِ وَسَارَ مِنَ الْغَدِ نَحْوَ عَسْكَرِ التُّرْكِ وَمَلِكِهِمْ، وَالْتَقَوْا، وَاقْتَتَلُوا، وَالْتَحَمَتِ الْحَرْبُ، وَحَمِيَ الْوَطِيسُ، وَحَمَلَ إِسْفِنْدِيَارُ عَلَى جَانِبٍ مِنَ الْعَسْكَرِ فَأَثَّرَ فِيهِ وَوَهَنَهُ وَتَابَعَ الْحَمَلَاتِ، وَفَشَا فِي التُّرْكِ أَنَّ إِسْفِنْدِيَارَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِحَرْبِهِمْ، فَانْهَزَمُوا لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، وَانْصَرَفَ إِسْفِنْدِيَارُ وَقَدِ ارْتَجَعَ دِرَفْشَ كَابِيَانَ.

فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ اسْتَبْشَرَ بِهِ وَأَمَرَهُ بِاتِّبَاعِ التُّرْكِ، وَوَصَّاهُ بِقَتْلِ مَلِكِهِمْ وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَيَقْتُلُ مِنَ التُّرْكِ مَنْ أَمْكَنَهُ قَتْلُهُ وَأَنْ يَسْتَنْفِذَ السَّبَايَا، وَالْغَنَائِمَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَسَارَ إِسْفِنْدِيَارُ، وَدَخَلَ بِلَادَ التُّرْكِ وَقَتَلَ وَسَبَى وَأَخْرَبَ وَبَلَغَ مَدْيَنَتَهُمُ الْعُظْمَى وَدَخَلَهَا عَنْوَةً، وَقَتَلَ الْمَلِكَ وَإِخْوَتَهُ، وَمُقَاتِلَتَهُ، وَاسْتَبَاحَ أَمْوَالَهُ، وَسَبَى نِسَاءَهُ، وَاسْتَنْقَذَ أُخْتَيْهِ وَدَوَّخَ الْبِلَادَ، وَانْتَهَى إِلَى آخِرِ حُدُودِ بِلَادِ التُّرْكِ وَإِلَى التُّبَّتِ، وَأَقْطَعَ بِلَادَ التُّرْكِ، وَجَعَلَ كُلَّ نَاحِيَةٍ إِلَى رَجُلٍ مِنْ وُجُوهِ التُّرْكِ بَعْدَ أَنْ آمَنَهُمْ وَوَظَّفَ عَلَيْهِمْ خَرَاجًا يَحْمِلُونَهُ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أَبِيهِ بَشْتَاسِبَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>