خُسَافٌ، فَقَتَلَ ذَلِكَ الْقَائِدَ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَظْهَرَ التَّبْيِيضَ وَالْخَلْعَ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَدَعَا أَهْلَ قِنَّسْرِينَ إِلَى ذَلِكَ، فَبَيَّضُوا أَجْمَعُهُمْ، وَالسَّفَّاحُ يَوْمَئِذٍ بِالْحِيرَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ مُشْتَغِلٌ بِحَرْبِ حَبِيبِ بْنِ مُرَّةَ الْمُرِّيِّ بِأَرْضِ الْبَلْقَاءِ وَحَوْرَانَ وَالْبَثَنِيَّةِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
فَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ تَبْيِيضُ أَهْلِ قِنَّسْرِينَ وَخَلْعُهُمْ صَالَحَ حَبِيبَ بْنَ مُرَّةَ، وَسَارَ نَحْوَ قِنَّسْرِينَ لِلِقَاءِ أَبِي الْوَرْدِ، فَمَرَّ بِدِمَشْقَ، فَخَلَّفَ بِهَا أَبَا غَانِمٍ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ رِبْعِيٍّ الطَّائِيَّ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَكَانَ بِدِمَشْقَ أَهْلُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَثَقَلُهُ.
فَلَمَّا قَدِمَ حِمْصَ انْتَقَضَ لَهُ أَهْلُ دِمَشْقَ وَبَيَّضُوا، وَقَامُوا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ سُرَاقَةَ الْأَزْدِيِّ، فَلَقُوا أَبَا غَانِمٍ وَمَنْ مَعَهُ فَهَزَمُوهُ، وَقَتَلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَانْتَهَبُوا مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ خَلَّفَ مِنْ ثَقَلِهِ، وَلَمْ يَعْرِضُوا لِأَهْلِهِ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى الْخِلَافِ. وَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ.
وَكَانَ قَدِ اجْتَمَعَ مَعَ أَبِي الْوَرْدِ جَمَاعَةٌ [مِنْ] أَهْلِ قِنَّسْرِينَ وَكَاتَبُوا مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ وَتَدْمُرَ، فَقَدِمَ مِنْهُمْ أُلُوفٌ عَلَيْهِمْ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَدَعَوْا إِلَيْهِ، وَقَالُوا: هَذَا السُّفْيَانِيُّ الَّذِي كَانَ يُذْكَرُ، وَهُمْ فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَعَسْكَرُوا بِمَرْجِ الْأَخْرَمِ.
وَدَنَا مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ، وَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ أَخَاهُ عَبْدَ الصَّمَدِ بْنَ عَلِيٍّ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، وَكَانَ أَبُو الْوَرْدِ هُوَ الْمُدَبِّرَ لِعَسْكَرِ قِنَّسْرِينَ وَصَاحِبَ الْقِتَالِ، فَنَاهَضَهُمُ الْقِتَالَ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي الْفَرِيقَيْنِ، وَانْكَشَفَ عَبْدُ الصَّمَدِ وَمَنْ مَعَهُ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ أُلُوفٌ وَلَحِقَ بِأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ.
فَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ مَعَهُ وَجَمَاعَةُ الْقُوَّادِ فَالْتَقَوْا ثَانِيَةً بِمَرْجِ الْأَخْرَمِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَثَبَتَ عَبْدُ اللَّهِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ أَبِي الْوَرْدِ، وَثَبَتَ هُوَ فِي نَحْوٍ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَقُتِلُوا جَمِيعًا، وَهَرَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى لَحِقُوا بِتَدْمُرَ، وَآمَنَ عَبْدُ اللَّهِ أَهْلَ قِنَّسْرِينَ، وَسَوَّدُوا وَبَايَعُوا وَدَخَلُوا فِي طَاعَتِهِ.
ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى أَهْلِ دِمَشْقَ لِمَا كَانَ مِنْ تَبْيِيضِهِمْ [عَلَيْهِ] ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ هَرَبَ النَّاسُ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ قِتَالٌ، وَآمَنَ عَبْدُ اللَّهِ أَهْلَهَا وَبَايَعُوهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُمْ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ.
وَلَمْ يَزَلْ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيُّ مُتَغَيِّبًا هَارِبًا وَلَحِقَ بِأَرْضِ الْحِجَازِ (وَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى أَيَّامِ الْمَنْصُورِ) ، فَبَلَغَ زِيَادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيَّ عَامِلَ الْمَنْصُورِ مَكَانُهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ خَيْلًا فَقَاتَلُوهُ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا ابْنَيْنِ لَهُ أَسِيرَيْنِ، فَبَعَثَ زِيَادٌ بِرَأْسِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّفْيَانِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute