دَعَاهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَنَفَرَ أَهْلُ الْبَلَدِ وَحَمَلُوا السِّلَاحَ، فَأَعْطَاهُمُ الْأَمَانَ، وَأَمَرَ فَنُودِيَ: مَنْ دَخَلَ الْجَامِعَ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَتَاهُ النَّاسُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، فَأَقَامَ يَحْيَى الرِّجَالَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَامِعِ، فَقَتَلُوا النَّاسَ قَتْلًا ذَرِيعًا أَسْرَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ قَتَلَ فِيهِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا مِمَّنْ لَهُ خَاتَمٌ وَمِمَّنْ لَيْسَ لَهُ خَاتَمٌ خَلْقًا كَثِيرًا.
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ سَمِعَ يَحْيَى صُرَاخَ النِّسَاءِ اللَّاتِي قُتِلَ رِجَالُهُنَّ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ الصَّوْتِ، فَأُخْبِرَ بِهِ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْغَدُ فَاقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ فِي عَسْكَرِهِ قَائِدٌ مَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ زِنْجِيٍّ، فَأَخَذُوا النِّسَاءَ قَهْرًا.
فَلَمَّا فَرَغَ يَحْيَى مِنْ قَتْلِ أَهْلِ الْمَوْصِلِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَكِبَ الْيَوْمَ الرَّابِعَ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْحِرَابُ وَالسُّيُوفُ الْمَسْلُولَةُ، فَاعْتَرَضَتْهُ امْرَأَةٌ وَأَخَذَتْ بِعِنَانِ دَابَّتِهِ، فَأَرَادَ أَصْحَابُهُ قَتْلَهَا فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ: أَلَسْتَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؟ أَلَسْتَ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَمَا تَأْنَفُ لِلْعَرَبِيَّاتِ الْمُسْلِمَاتِ أَنْ يَنْكِحَهُنَّ الزِّنْجُ؟ فَأَمْسَكَ عَنْ جَوَابِهَا، وَسَيَّرَ مَعَهَا مَنْ يُبْلِغُهَا مَأْمَنَهَا، وَقَدْ عَمِلَ كَلَامُهَا فِيهِ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَمَعَ الزِّنْجَ لِلْعَطَاءِ، فَاجْتَمَعُوا، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ.
وَقِيلَ: كَانَ السَّبَبُ فِي قَتْلِ أَهْلِ الْمَوْصِلِ مَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مِنْ مَحَبَّةِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَرَاهَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَأَنَّ امْرَأَةً غَسَلَتْ رَأْسَهَا وَأَلْقَتِ الْخِطْمِيَّ مِنَ السَّطْحِ فَوَقَعَ عَلَى رَأْسِ بَعْضِ الْخُرَاسَانِيَّةِ، فَظَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ تَعَمُّدًا، فَهَاجَمَ الدَّارَ، وَقَتَلَ أَهْلَهَا، فَثَارَ أَهْلُ الْبَلَدِ وَقَتَلُوهُ، وَثَارَتِ الْفِتْنَةُ.
وَفِيمَنْ قُتِلَ مَعْرُوفُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ، وَكَانَ زَاهِدًا عَابِدًا، وَقَدْ أَدْرَكَ كَثِيرًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَوَى عَنْهُمْ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
وَفِيهَا وَجَّهَ السَّفَّاحُ أَخَاهُ الْمَنْصُورَ وَالِيًا عَلَى الْجَزِيرَةِ وَأَذْرَبِيجَانَ وَإِرْمِينِيَّةَ، وَفِيهَا عَزَلَ عَمَّهُ دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنِ الْكُوفَةِ وَسَوَادِهَا، وَوَلَّاهُ الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنَ وَالْيَمَامَةَ، وَوَلَّى مَوْضِعَهُ مِنْ عَمَلِ الْكُوفَةِ ابْنَ أَخِيهِ عِيسَى بْنَ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ، فَاسْتَقْضَى عِيسَى عَلَى الْكُوفَةِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute