وَكَانَ مُلْكُ بَهْمَنَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَمَانِينَ سَنَةً، وَكَانَ مُتَوَاضِعًا مَرْضِيًّا فِيهِمْ، وَكَانَتْ كُتُبُهُ تَخْرُجُ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ خَادِمِ اللَّهِ السَّائِسِ لِأُمُورِكُمْ.
ثُمَّ مَلَكَتْ بَعْدَهُ ابْنَتُهُ خُمَانَى، مَلَّكُوهَا حُبًّا لِأَبِيهَا وَلِعَقْلِهَا وَفُرُوسِيَّتِهَا، وَكَانَتْ تُلَقَّبُ بِشَهْرَزَادَ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مَلَكَتْ لِأَنَّهَا حِينَ حَمَلَتْ مِنْهُ دَارَا الْأَكْبَرَ سَأَلَتْهُ أَنْ يَعْقِدَ التَّاجَ لَهُ فِي بَطْنِهَا وَيُؤْثِرَهُ بِالْمُلْكِ، فَفَعَلَ بَهْمَنُ وَعَقَدَ التَّاجَ عَلَيْهِ حَمْلًا فِي بَطْنِهَا، وَسَاسَانُ بْنُ بَهْمَنَ رَجُلٌ يَتَصَنَّعُ لِلْمُلْكِ، فَلَمَّا رَأَى فِعْلَ أَبِيهِ لَحِقَ بِإِصْطَخْرَ وَتَزَهَّدَ وَلَحِقَ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ وَاتَّخَذَ غَنَمًا، وَكَانَ يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ، فَاسْتَبْشَعَتِ الْعَامَّةُ ذَلِكَ مِنْهُ.
وَهَلَكَ بَهْمَنُ وَابْنُهُ دَارَا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَمَلَّكُوهَا، وَوَضَعَتْهُ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ مُلْكِهَا، فَأَنِفَتْ مِنْ إِظْهَارِ ذَلِكَ وَجَعَلَتْهُ فِي تَابُوتٍ وَجَعَلَتْ مَعَهُ جَوَاهِرَ وَأَجْرَتْهُ فِي نَهْرِ الْكَرِّ مِنْ إِصْطَخْرَ، وَقِيلَ: بِنَهْرِ بَلْخَ.
وَسَارَ التَّابُوتُ إِلَى طَحَّانٍ مِنْ أَهْلِ إِصْطَخْرَ، فَفَرِحَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَوَاهِرِ، فَحَضَنَتْهُ امْرَأَتُهُ، ثُمَّ ظَهَرَ أَمْرُهُ حِينَ شَبَّ، فَأَقَرَّتْ خُمَانَى بِإِسَاءَتِهَا، فَلَمَّا تَكَامَلَ امْتُحِنَ فَوُجِدَ عَلَى غَايَةِ مَا يَكُونُ أَبْنَاءُ الْمُلُوكِ، فَحَوَّلَتِ التَّاجَ إِلَيْهِ وَسَارَتْ إِلَى فَارِسَ وَبَنَتْ مَدِينَةَ إِصْطَخْرَ، وَكَانَتْ قَدْ أُوتِيَتْ ظَفَرًا وَأَغْزَتِ الرُّومَ وَشَغَلَتِ الْأَعْدَاءَ مِنْ تَطَرُّقِ بِلَادِهَا، وَخَفَّفَتْ عَنْ رَعِيَّتِهَا الْخَرَاجَ، وَكَانَ مُلْكُهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً.
وَقِيلَ: إِنَّ خُمَانَى أُمَّ دَارَا حَضَنَتْهُ حَتَّى كَبِرَ فَسَلَّمَتِ الْمُلْكَ إِلَيْهِ وَعَزَلَتْ نَفْسَهَا، فَضَبَطَ الْمُلْكَ بِشَجَاعَةٍ وَحَزْمٍ.
وَنَرْجِعُ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute