للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ، وَهُوَ يُحَاصِرُ حَرَّانَ، إِقْبَالُ أَبِي مُسْلِمٍ خَشِيَ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْهِ عَطَاءٌ الْعَتَكِيُّ أَمَامًا، فَنَزَلَ إِلَيْهِ فِيمَنْ مَعَهُ، وَأَقَامَ مَعَهُ أَيَّامًا، ثُمَّ وَجَّهَهُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ سُرَاقَةَ الْأَزْدِيِّ بِالرَّقَّةِ، وَمَعَهُ ابْنَاهُ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا.

فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُثْمَانَ دَفَعَ الْعَتَكِيُّ الْكِتَابَ إِلَيْهِ، فَقَتَلَ الْعَتَكِيَّ وَاحْتَبَسَ ابْنَيْهِ، فَلَمَّا هُزِمَ عَبْدُ اللَّهِ قَتَلَهُمَا.

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ قَدْ خَشِيَ أَنْ لَا يُنَاصِحَهُ أَهْلُ خُرَاسَانَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَاسْتَعْمَلَ حُمَيْدَ بْنَ قَحْطَبَةَ عَلَى حَلَبَ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَى زُفَرَ بْنِ عَاصِمٍ عَامِلِهَا يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ حُمَيْدٍ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ حُمَيْدٌ وَالْكِتَابُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ: إِنَّ ذَهَابِي بِكِتَابٍ لَا أَعْلَمُ مَا فِيهِ لَغَرَرٌ. فَقَرَأَهُ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِيهِ أَعْلَمَ خَاصَّتَهُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ الْمَسِيرَ مَعِي مِنْكُمْ فَلْيَسِرْ. فَاتَّبَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَسَارَ عَلَى الرُّصَافَةِ إِلَى الْعِرَاقِ.

فَأَمَرَ الْمَنْصُورُ مُحَمَّدَ بْنَ صُولٍ بِالْمَسِيرِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ لِيَمْكُرَ بِهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ يَقُولُ: الْخَلِيفَةُ بَعْدِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ، إِنَّمَا وَضَعَكَ أَبُو جَعْفَرٍ. فَضَرَبَ عُنُقَهُ.

وَمُحَمَّدُ بْنُ صُولٍ هُوَ جَدُّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْكَاتِبِ الصُّولِيِّ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ حَتَّى نَزَلَ نَصِيبِينَ وَخَنْدَقَ عَلَيْهِ، وَقَدِمَ أَبُو مُسْلِمٍ فِيمَنْ مَعَهُ، وَكَانَ الْمَنْصُورُ قَدْ كَتَبَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ، وَكَانَ خَلِيفَتَهُ بِإِرْمِينِيَّةَ، يَأْمُرُهُ أَنْ يُوَافِيَ أَبَا مُسْلِمٍ، فَقَدِمَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ بِالْمَوْصِلِ، وَأَقْبَلَ أَبُو مُسْلِمٍ فَنَزَلَ نَاحِيَةَ نَصِيبِينَ فَأَخَذَ طَرِيقَ الشَّامِ، وَلَمْ يَعْرِضْ لِعَبْدِ اللَّهِ.

وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِقِتَالِكَ وَلَكِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّانِيَ الشَّامَ فَأَنَا أُرِيدُهَا. فَقَالَ مَنْ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لِعَبْدِ اللَّهِ: كَيْفَ نُقِيمُ مَعَكَ وَهَذَا يَأْتِي بِلَادَنَا فَيَقْتُلُ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ رِجَالِنَا وَيَسْبِي ذَرَارِيَّنَا؟ وَلَكِنْ نَخْرُجُ إِلَى بِلَادِنَا فَنَمْنَعُهُ وَنُقَاتِلُهُ. فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا يُرِيدُ الشَّامَ وَمَا تَوَجَّهَ إِلَّا لِقِتَالِكُمْ، وَإِنْ أَقَمْتُمْ لَيَأْتِيَنَّكُمْ.

فَأَبَوْا إِلَّا الْمَسِيرَ إِلَى الشَّامِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ قَرِيبٌ مِنْهُمْ، فَارْتَحَلَ عَبْدُ اللَّهِ نَحْوَ الشَّامِ، وَتَحَوَّلَ أَبُو مُسْلِمٍ فَنَزَلَ فِي مُعَسْكَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ فِي مَوْضِعِهِ، وَعَوَّرَ مَا حَوْلَهُ مِنَ الْمِيَاهِ، وَأَلْقَى فِيهَا الْجِيَفَ.

وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ ذَلِكَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ؟ وَرَجَعَ فَنَزَلَ فِي مَوْضِعِ عَسْكَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>