فَأَمَرَ بِذَلِكَ، فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ كُلَّمَا أَرَادَ، وَيَرْفَعُ إِلَيْهِ النَّصَائِحَ فِي الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ الْجَمِيلَةِ، مِنْ أَمْرِ الثُّغُورِ، وَبِنَاءِ الْحُصُونِ، وَتَقْوِيَةِ الْغُزَاةِ وَتَزْوِيجِ الْعُزَّابِ، وَفِكَاكِ الْأَسْرَى وَالْمَحْبُوسِينَ، وَالْقَضَاءِ عَنِ الْغَارِمِينَ، وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْمُتَعَفِّفِينَ، فَحَظِيَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ، وَعَلَتْ مَنْزِلَتُهُ، حَتَّى سَقَطَتْ مَنْزِلَةُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ، وَحُبِسَ، وَكَتَبَ الْمَهْدِيُّ تَوْقِيعًا قَدِ اتَّخَذَهُ أَخًا فِي اللَّهِ، وَوَصَلَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ.
ذِكْرُ ظُهُورِ الْمُقَنَّعِ بِخُرَاسَانَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبْلَ مَوْتِ حُمَيْدِ بْنِ قَحْطَبَةَ، ظَهَرَ الْمُقَنَّعُ بِخُرَاسَانَ، وَكَانَ رُجَلًا أَعْوَرَ، قَصِيرًا، مِنْ أَهْلِ مَرْوٍ، وَيُسَمَّى حَكِيمًا، وَكَانَ اتَّخَذَ وَجْهًا مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَهُ عَلَى وَجْهِهِ لِئَلَّا يُرَى، فَسُمِّيَ الْمُقَنَّعَ وَادَّعَى الْأُلُوهِيَّةَ، وَلَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ إِلَى جَمِيعِ أَصْحَابِهِ.
وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، فَتَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ، ثُمَّ فِي صُورَةِ نُوحٍ، وَهَكَذَا هَلُمَّ جَرًّا إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى هَاشِمٍ، وَهَاشِمٌ فِي دَعْوَاهُ، هُوَ الْمُقَنَّعُ، وَيَقُولُ بِالتَّنَاسُخِ، وَتَابَعَهُ خَلْقٌ مِنْ ضُلَّالِ النَّاسِ، وَكَانُوا يَسْجُدُونَ لَهُ مِنْ أَيِّ النَّوَاحِي كَانُوا، وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي الْحَرْبِ: يَا هَاشِمُ أَعِنَّا.
وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَتَحَصَّنُوا فِي قَلْعَةِ بَسْنَامَ، وَسَنْجَرْدَةَ، وَهِيَ مِنْ رَسَاتِيقِ كِشَّ، وَظَهَرَتِ الْمُبَيِّضَةُ بِبُخَارَى وَالصُّغْدِ مُعَاوِنِينَ لَهُ، وَأَعَانَهُ كُفَّارُ الْأَتْرَاكِ، وَأَغَارُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ أَفْضَلُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُنْكِرُ قَتْلَ يَحْيَى بْنِ زَيْدٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ يَقْتُلُ قَاتِلِيهِ.
وَاجْتَمَعُوا بَكِشَّ، وَغَلَبُوا عَلَى بَعْضِ قُصُورِهَا، وَعَلَى قَلْعَةِ نُواكِثَ، وَحَارَبَهُمْ أَبُو النُّعْمَانِ، وَالْجُنَيْدُ، وَلَيْثُ بْنُ نَصْرٍ، مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَقَتَلُوا حَسَّانَ بْنَ تَمِيمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ وَغَيْرَهُمَا.
وَأَنْفَذَ إِلَيْهِمْ جِبْرَائِيلَ بْنَ يَحْيَى وَأَخَاهُ يَزِيدَ، فَاشْتَغَلُوا بِالْمُبَيِّضَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِبُخَارَى، فَقَاتَلُوهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فِي مَدِينَةِ بُومِجَكْثَ، وَنَقَبَهَا عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةٍ، وَقَتَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute