وَسَبَبُ تَسْلِيطِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ قَتْلُهُمْ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ، فَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ، فَلَمْ يَعُدْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ كَجَمَاعَتِهِمُ الْأُولَى، وَرَفَعَ اللَّهُ مِنْهُمُ النُّبُوَّةَ وَنَزَلَ بِهِمُ الذُّلُّ.
وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي غَزَا بَنِي إِسْرَائِيلَ طِيطُوسُ بْنُ إِسْفِيَانُوسَ مَلِكُ الرُّومِ فَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقَدْ كَانَتِ الرُّومُ غَزَتْ بِلَادَ فَارِسَ يَطْلُبُونَ ثَأْرَ أَنْطِيخَسَ، وَمَلَكَ بَابِلَ حِينَئِذٍ " بِلَاشُ أَبُو أَرْدُوَانَ " الَّذِي قَتَلَهُ " أَرْدَشِيرُ بْنُ بَابَكَ "، فَكَتَبَ بِلَاشُ إِلَى مُلُوكِ الطَّوَائِفِ يُعْلِمُهُمْ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الرُّومُ مِنْ غَزْوِ بِلَادِهِمْ وَمَا حَشَدُوا وَجَمَعُوا وَأَنَّهُ إِنْ عَجَزَ مِنْهُمْ ظَفِرُوا بِهِمْ جَمِيعًا.
فَوَجَّهَ كُلُّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ إِلَى بِلَاشَ مِنَ الرِّجَالِ وَالسِّلَاحِ وَالْمَالِ بِقَدْرِ قُوَّتِهِ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ، فَوَلَّى عَلَيْهِمْ صَاحِبَ الْحَضَرِ، وَكَانَ لَهُ مَا بَيْنَ السَّوَادِ وَالْجَزِيرَةِ، فَلَقِيَ الرُّومَ وَقَتَلَ مَلِكَهُمْ وَاسْتَبَاحَ عَسْكَرَهُمْ، وَذَلِكَ الَّذِي هَيَّجَ الرُّومَ عَلَى بِنَاءِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَنَقْلِ الْمُلْكِ مِنْ رُومِيَّةَ إِلَيْهَا، وَكَانَ الَّذِي أَنْشَأَهَا قُسْطَنْطِينُ الْمَلِكُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ مُلُوكِ الرُّومِ وَأَجْلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ فِلَسْطِينَ وَالشَّامِ لِقَتْلِهِمْ عِيسَى بِزَعْمِهِمْ، وَأَخَذَ الْخَشَبَةَ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ صَلَبُوا الْمَسِيحَ عَلَيْهَا، فَعَظَمَّهَا الرُّومُ وَأَدْخَلُوهَا خَزَائِنَهُمْ وَهِيَ عِنْدَهُمْ إِلَى الْيَوْمِ.
وَلَمْ يَزَلْ مُلْكُ فَارِسَ مُتَفَرِّقًا حَتَّى مَلَكَ أَرْدَشِيرُ بْنُ بَابَكَ. وَلَمْ يُبَيِّنْ هِشَامٌ مُدَّةَ مُلْكِهِمْ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ فَارِسَ: مَلَكَ بِلَادَهُمْ بَعْدَ الْإِسْكَنْدَرِ مُلُوكٌ مِنْ غَيْرِ الْفُرْسِ كَانُوا يُطِيعُونَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ بِلَادَ الْجَبَلِ، وَهُمُ الْأَشْغَانِيُّونَ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ مُلُوكَ الطَّوَائِفِ، وَكَانَ مُلْكُهُمْ مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَقِيلَ: كَانَ مُلْكُهُمْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، مَلَكَ مِنْ هَذِهِ السِّنِينَ أَشَكُ بْنُ أَشْكَانَ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ ابْنُهُ سَابُورُ سِتِّينَ سَنَةً، وَفِي إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ ظَهَرَ الْمَسِيحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute