للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُبَيْدٍ فِي عَسْكَرٍ كَثِيفٍ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَقْظَانَ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى قَدِ اجْتَمَعَا عَلَى خَلْعِ طَاعَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَهَمَّا بِهَا، فَقَاتَلَهُمَا ثَعْلَبَةُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَفِي بَعْضِ الْأَيَّامِ عَادَ إِلَى مُخَيَّمِهِ، فَاغْتَنَمَ سُلَيْمَانُ غِرَّتَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَهُ، وَتَفَرَّقَ عَسْكَرُهُ.

وَاسْتَدْعَى سُلَيْمَانُ قَارْلَهْ مَلِكَ الْإِفْرِنْجِ، وَوَعَدَهُ بِتَسْلِيمِ الْبَلَدِ وَثَعْلَبَةَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ لَمْ يُصْبِحْ بِيَدِهِ غَيْرُ ثَعْلَبَةَ، فَأَخَذَهُ وَعَادَ إِلَى بِلَادِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِ عَظِيمَ الْفِدَاءِ، فَأَهْمَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مُدَّةً، ثُمَّ وَضَعَ مَنْ طَلَبَهُ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَأَطْلَقُوهُ.

فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةَ سَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى سَرَقُسْطَةَ، وَفَرَّقَ أَوْلَادَهُ فِي الْجِهَاتِ لِيَدْفَعُوا كُلَّ مُخَالِفٍ، ثُمَّ يَجْتَمِعُونَ بِسَرَقُسْطَةَ، فَسَبَقَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَيْهَا، وَكَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى قَدْ قَتَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَقْظَانَ، وَانْفَرَدَ بِسَرَقُسْطَةَ، فَوَافَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ، فَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا تَضْيِيقًا شَدِيدًا.

وَأَتَاهُ أَوْلَادُهُ مِنَ النَّوَاحِي، وَمَعَهُمْ كُلُّ مَنْ خَالَفَهُمْ، وَأَخْبَرُوهُ عَنْ طَاعَةِ غَيْرِهِمْ، فَرَغِبَ الْحُسَيْنُ فِي الصُّلْحِ، وَأَذْعَنَ لِلطَّاعَةِ، فَأَجَابَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَصَالَحَهُ، وَأَخَذَ ابْنَهُ سَعِيدًا رَهِينَةً، وَرَجَعَ عَنْهُ.

وَغَزَا بِلَادَ الْفِرِنْجِ، فَدَوَّخَهَا، وَنَهَبَ وَسَبَى وَبَلَغَ قَلَهُرَّةَ، وَفَتَحَ مَدِينَةَ فَكِيرَةَ، وَهَدَمَ قِلَاعَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَسَارَ إِلَى بِلَادِ الْبَشْكَنْسِ، وَنَزَلَ عَلَى حِصْنِ مَثْمَيْنَ الْأَقْرَعِ، فَافْتَتَحَهُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَلْدُوثُونَ بْنِ أَطْلَالٍ، وَحَصَرَ قَلْعَتَهُ، وَقَصَدَ النَّاسُ جَبَلَهَا، وَقَاتَلُوهُمْ فِيهَا، فَمَلَكُوهَا عَنْوَةً وَخَرَّبَهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قُرْطُبَةَ.

وَفِيهَا ثَارَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ بَرْبَرِ بَلَنْسِيَةَ وَبَرْبَرِ شَنْتَ بَرِيَّةَ مِنَ الْأَنْدَلُسِ، وَجَرَى بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ قُتِلَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَكَانَتْ وَقَائِعُهُمْ مَشْهُورَةً.

[الْوَفَيَاتُ]

وَفِيهَا مَاتَ شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو مُعَاوِيَةَ التَّمِيمِيُّ النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>