للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وَفَاتِهِ، فَقِيلَ كَانَ سَبَبُهَا قُرْحَةً كَانَتْ فِي جَوْفِهِ، وَقِيلَ مَرَضٌ بِحَدِيثِةِ الْمَوْصِلِ، وَعَادَ مَرِيضًا فَتُوُفِّيَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقِيلَ إِنَّ وَفَاتَهُ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ جَوَارٍ لِأُمِّهِ الْخَيْزُرَانَ كَانَتْ أَمَرَتْهُنَّ بِقَتْلِهِ، وَكَانَ سَبَبُ أَمْرِهَا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ كَانَتْ تَسْتَبِدُّ بِالْأُمُورِ دُونَهُ، وَتَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْمَهْدِيِّ، حَتَّى مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.

فَانْثَالَ النَّاسُ إِلَى بَابِهَا، وَكَانَتِ الْمَوَاكِبُ تَغْدُو وَتَرُوحُ إِلَى بَابِهَا، فَكَلَّمَتْهُ يَوْمًا فِي أَمْرٍ لَمْ يَجِدْ إِلَى إِجَابَتِهَا سَبِيلًا، فَقَالَتْ: لَابُدَّ مِنْ إِجَابَتِي إِلَيْهِ، فَإِنَّنِي قَدْ ضَمِنْتُ هَذِهِ الْحَاجَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ.

فَغَضِبَ الْهَادِي، وَقَالَ: وَيْلِي عَلَى ابْنِ الْفَاعِلَةِ! قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ صَاحِبُهَا، وَاللَّهِ لَا قَضَيْتُهَا لَكِ. قَالَتْ: إِذًا وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُكَ حَاجَةً أَبَدًا، قَالَ: لَا أُبَالِي وَاللَّهِ، وَغَضِبَتْ فَقَامَتْ مُغْضَبَةً، فَقَالَ مَكَانَكِ وَاللَّهِ، وَإِلَّا أَنَا نَفِيٌّ مِنْ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّهُ وَقَفَ بِبَابِكِ أَحَدٌ مِنْ قُوَّادِي، وَخَاصَّتِي لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ، وَلَأَقْبِضَنَّ مَالَهُ. مَا هَذِهِ الْمَوَاكِبُ الَّتِي تَغْدُو وَتَرُوحُ إِلَى بَابِكِ؟ أَمَا لَكِ مِغْزَلٌ يَشْغَلُكِ، أَوْ مُصْحَفٌ يُذَكِّرُكِ، أَوْ بَيْتٌ يَصُونُكِ؟ إِيَّاكِ! وَإِيَّاكِ! لَا تَفْتَحِي بَابَكِ لِمُسْلِمٍ وَلَا ذِمِّيٍّ. فَانْصَرَفَتْ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ، فَلَمْ تَنْطِقْ عِنْدَهُ بَعْدَهَا.

ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَيُّمَا خَيْرٍ أَنَا أَمْ أَنْتُمْ، وَأُمِّي أَمْ أُمَّهَاتُكُمْ؟ قَالُوا: بَلْ أَنْتَ وَأُمُّكَ خَيْرٌ. قَالَ: فَأَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَتَحَدَّثَ الرِّجَالُ بِخَبَرِ أُمِّهِ، فَيُقَالُ: فَعَلَتْ أُمُّ فُلَانٍ، وَصَنَعَتْ؟ قَالُوا: لَا نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ تَأْتُونَ أُمِّي، فَتَتَحَدَّثُونَ بِحَدِيثِهَا؟ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ انْقَطَعُوا عَنْهَا.

ثُمَّ بَعَثَ بِأُرْزٍ، وَقَالَ: قَدِ اسْتَطَبْتُهَا، فَكُلِي مِنْهَا. فَقِيلَ لَهَا: أَمْسِكِي حَتَّى تَنْظُرِي! فَجَاءُوا بِكَلْبٍ، فَأَطْعَمُوهُ، فَسَقَطَ لَحْمُهُ لِوَقْتِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا كَيْفَ رَأَيْتِ الْأُرْزَ؟ قَالَتْ: طَيِّبًا. قَالَ: مَا أَكَلْتِ مِنْهَا، وَلَوْ أَكَلْتِ مِنْهَا، لَاسْتَرَحْتُ مِنْكِ، مَتَى أَفْلَحَ خَلِيفَةٌ لَهُ أُمٌّ!

وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ أَمْرِهَا بِذَلِكَ أَنَّ الْهَادِيَ لَمَّا جَدَّ فِي خَلْعِ الرَّشِيدِ وَالْبَيْعَةِ لِابْنِهِ جَعْفَرٍ خَافَتِ الْخَيْزُرَانُ عَلَى الرَّشِيدِ، فَوَضَعَتْ جَوَارِيَهَا عَلَيْهِ لَمَّا مَرِضَ، فَقَتَلْنَهُ بِالْغَمِّ وَالْجُلُوسِ عَلَى وَجْهِهِ، فَمَاتَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ تُعْلِمُهُ بِمَوْتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>