اللَّهِ. فَقَالَ: فَابْكِ وَاجْتَهِدْ إِذَنْ. فَصَنَعَتْ لَهُ أُمُّهُ قِطْعَتَيْ لِبْدٍ عَلَى خَدَّيْهِ تُوَارِيَانِ أَضْرَاسَهُ، فَكَانَ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّهُمَا، وَكَانَ زَكَرِيَّاءُ إِذَا أَرَادَ يَعِظُ النَّاسَ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ يَحْيَى حَاضِرًا لَمْ يَذْكُرْ جَنَّةً وَلَا نَارًا.
وَبَعَثَ اللَّهُ عِيسَى رَسُولًا نَسَخَ بَعْضَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ، فَكَانَ مِمَّا نَسَخَ أَنَّهُ حَرَّمَ نِكَاحَ بِنْتِ الْأَخِ، وَكَانَ لِمَلِكِهِمْ - وَاسْمُهُ هِيرُودَسُ - بِنْتُ أَخٍ تُعْجِبُهُ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَنَهَاهُ يَحْيَى عَنْهَا، وَكَانَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ حَاجَةٌ يَقْضِيهَا لَهَا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهَا قَالَتْ لَهَا: إِذَا سَأَلَكِ الْمَلِكُ مَا حَاجَتُكِ فَقُولِي أَنْ تَذْبَحَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ. فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَسَأَلَهَا مَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ تَذْبَحَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ. فَقَالَ: اسْأَلِي غَيْرَ هَذَا. قَالَتْ: مَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ. فَلَمَّا أَبَتْ دَعَا بِيَحْيَى وَدَعَا بِطَسْتٍ فَذَبَحَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الرَّأْسَ قَالَتِ: الْيَوْمَ قَرَّتْ عَيْنِي! فَصَعِدَتْ إِلَى سَطْحِ قَصْرِهَا فَسَقَطَتْ مِنْهُ إِلَى الْأَرْضِ وَلَهَا كِلَابٌ ضَارِيَةٌ تَحْتَهُ، فَوَثَبَتِ الْكِلَابُ عَلَيْهَا وَأَكَلَتْهَا وَهِيَ تَنْظُرُ، وَكَانَ آخِرَ مَا أُكِلَ مِنْهَا عَيْنَاهَا لِتَعْتَبِرَ. فَلَمَّا قُتِلَ بُذِرَتْ قَطْرَةٌ مِنْ دَمِهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَلَمْ تَزَلْ تَغْلِي حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ بُخْتُنَصَّرَ عَلَيْهِمْ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَدَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ، فَأَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِهِ أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ حَتَّى يَسْكُنَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفًا حَتَّى سَكَنَ الدَّمُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ نَحْوَ هَذَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَرَادَ الْمَلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ امْرَأَةٍ لَهُ، فَنَهَاهُ يَحْيَى عَنْ ذَلِكَ، فَطَلَبَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَلِكَ قَتْلَ يَحْيَى، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَأَحْضَرَ رَأْسَهُ فِي طَسْتٍ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: لَا تَحِلُّ لَكَ، فَبَقِيَ دَمُهُ يَغْلِي، فَطُرِحَ عَلَيْهِ تُرَابٌ حَتَّى بَلَغَ سُورَ الْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَسْكُنِ الدَّمُ. فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتُنَصَّرَ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ فَحَصَرَهُمْ فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِمْ، فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ الْعَوْدَ! قَالَ: نَعَمْ، قَدْ طَالَ الْمُقَامُ وَجَاعَ النَّاسُ وَقَلَّتِ الْمِيرَةُ بِهِمْ وَضَاقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَتْ: إِنْ فَتَحْتُ لَكَ الْمَدِينَةَ أَتَقْتُلُ مَنْ آمُرُكَ بِقَتْلِهِ وَتَكُفُّ إِذَا أَمَرْتُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتِ: اقْسِمْ جُنْدَكَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ عَلَى نَوَاحِي الْمَدِينَةِ، ثُمَّ ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ إِلَى السَّمَاءِ وَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَفْتِحُكَ عَلَى دَمِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، فَفَعَلُوا، فَخَرِبَ سُورُ الْمَدِينَةِ، فَدَخَلُوهَا، فَأَمَرَتْهُمُ الْعَجُوزُ أَنْ يَقْتُلُوا عَلَى دَمِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ حَتَّى يَسْكُنَ، فَلَمْ يَزَلْ يَقْتُلُ حَتَّى قَتَلَ سَبْعِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute